تتبارى المسابقات الشعرية في إعطاء زخم إعلامي لجذب أكبر قدر ممكن من المتابعين لها، وتتنوع الطرق والاجتهادات في هذا السياق من قِبل القائمين على هذه المسابقات، سواء عن طريق حجم الجوائز في المسابقة ونوعيتها، أو إشراك نجوم لهم وزنهم ومتابعيهم، أو أية طريقة أخرى تشد المشاركين والمتابعين معا.
كل ذلك لا غبار عليه، ولكن لابد أن تكون هناك محاذير أدبية وأخلاقية، لا تجعلنا نتجاوز الخطوط الحمراء، وأن تكون هناك حدود لما يجب وما لا يجب، وألا نتمادى بالذهاب إلى أقصى حد تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة، لأن في ذلك سقطة أدبية وأخلاقية في الوقت ذاته. إن ما حدث من لغط وهرج ومرج في مسابقة شاعر العرب والتي قامت بتنظيمها إحدى القنوات الفضائية، أمر مخجل ومحزن، ويدعو حقا إلى الأسف، ولست هنا بصدد لوم أحد ما، أو توجيه أصابع الاتهام، فأنا لست ملما بتفاصيل الموضوع، ولست أُوليه كبير اهتمام، إلا أنني أود أن أذكر أن هناك اتهامات تخللت هذه المسابقة، ليس أقلها النصب والاحتيال، والتلاعب بالنتائج لمصلحة أحد الشعراء المشاركين، وأخذ أموال طائلة من بعض المتسابقين دعما لمراكزهم في المسابقة، بالإضافة إلى غياب التنسيق والتنظيم والدعاية الكافية لمسابقة في ذلك الحجم، كل تلك الملاحظات أُوردت من قِبل منتقدي المسابقة ومسارها، إلا أن الطامة الكبرى التي لم يتطرق إليها أحد «على حدّ علمي» هي الزجّ بتاريخ شاعر كبير ورمز من رموز الشعر العامي في الخليج في كل هذه المعمعة، وجعله طرفاً فيها، وأقصد شاعرنا الكبير محمد الخس!!. لقد تم استخدام اسم محمد الخس، وقد تجاوز السبعين من عمره، واستغلاله ليعطي للمسابقة وزنا ثقيلا، ولا شك أن اسمه أهلٌ لهذا، ولكن أن تجعل شاعرا بهذا التاريخ، وهذا الحجم يتسابق ويتبارى مع شعراء بعضهم مازال يجرب خطوته على أرض الإبداع، وهو ذلك الصقر الذي صال وجال في سماء الإبداع، فتلك إهانة للخس ولتاريخه الشعري الطويل، وأن تجعل شاعرا بحجم الخس يقف أمام أعضاء لجنة بعمر أبنائه وأحفاده، ليقيّموا قصيدته، وهم الذين نهلوا من ماء ينابيعه وينابيع أمثاله مذ كانوا صغارا، فهذه إهانة أخرى له، وليس ذلك فقط، بل أن يصبح الخس طرفا في الاتهامات التي تم توجيهها إلى المنظمين والتي ذكرتها آنفا، فتلك إهانة أكبر، ثم أن يقوم الخس بالذهاب إلى بعض الشخصيات هنا وهناك للشكوى من طرف ما، من أجل إثبات أحقيته ببعض نقود في المسابقة، وترفض بعض تلك الشخصيات حتى مجرد مقابلته لهذا الموضوع، فتلك إهانة قاسية جدا لرمز نُجلّه ونحترمه. كان الأولى أن يتم من خلال هذه المسابقة تكريم شاعر بحجم الخس في الحلقة الأخيرة، ومن دون أن يضطر إلى التنافس مع الشعراء، وخوض صراع التصويت وحشد القبيلة لمناصرته، فالخس ليس شاعر قبيلة بعينها، وإنما شاعر كل القبائل، ورمز يقدّره كل مهتم بالشعر العامي.
توابل - الرواق
آخر وطن: ارحموا رموزنا... من جشعكم!
21-11-2008