مآذن لها تاريخ مئذنة حسان بالرباط... زخارف معينية ومعْلم سياسي مهم

نشر في 18-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 18-09-2008 | 00:00
No Image Caption
رباط الفتح، هي حاضرة المملكة المغربية وواحدة من أهم مدنه الساحلية، وتعتبر صومعة حسان أحد أهم المعالم السياحية في المدينة، وتعرف لدى زوار المدينة التاريخية من الأجانب باسم برج حسان، نظرا لضخامة ومتانة بنيانها القريب الشبه من أبراج الأسوار والقلاع الحربية.

وصومعة حسان هي كل ما تبقى بحالة جيدة من المسجد الضخم، الذي أسسه الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور بمدينة الرباط، وتقع الصومعة في منتصف الواجهة الشمالية الغربية على محور المحراب القديم لجامع المنصور.

وقد شيدت هذه المئذنة المهيبة المطلة على وادي نهر صغير من الحجر الصخري المتين، ويبلغ سمك الجدران بها ٥.٢م ٢ وتصميمها، كما في أغلب مآذن المغرب والأندلس، يعتمد على البدن المربع الذي يتكرر بمقياس أصغر في طابق علوي، ينتهي بجوسق فوقه قبة مضلعة، ويصل طول ضلع المربع الأول في صومعة حسان إلى 16 مترا، بينما يقدر ارتفاعه عن مستوى أرض المسجد بقرابة ٤٤ مترا وكان الارتفاع الأصلي لصومعة حسان حوالي 65 مترا، إلا أن الجزء العلوي من هذه المئذنة سقط مع أعمدة الجامع تحت وطأة الزلزال العنيف الذي ارتجفت له أوصال مدينة الرباط في عام 1169هـ.

وتمتاز الواجهات الخارجية للصومعة، بزخارف على هيئة معينات تكشف عن تمكن الفنان المسلم من مفردات الزخرفة الهندسية، ومما يستحق التقدير لهذه الأعمال الفنية أن الفنان قام بحفرها في هذا الحجر الصلب بمنتهى الدقة والاتقان، ويبدو من خطة الزخرفة أن جزءا من أعمالها لم يتم إنجازه بسبب وفاة الخليفة الموحدي قبيل إتمام أعمال البناء والزخرفة في جامعه.

وبداخل صومعة حسان توجد عدة حجرات متطابقة بعضها فوق بعض، ويصعد إليها بممر صاعد يلف حول الحجرات في المساحة الواقعة بين بنيانها وجدران المئذنة ذاتها، ولهذه الحجرات شبابيك مهقودة الفتحات، ويمتاز هذا المنحدر الذي حل مكان الدرج الذي نراه في الصوامع المغربية والأندلسية بتصميمه الهندسي الفريد حيث يميل ميلا بطيئا بحساب هندسي جميل.

وترجع قصة بناء المسجد وصومعته الشهيرة إلى عهد الخليفة الموحدي أبي يوسف يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين، والذي بلغت خلافة الموحدين في عهده “595 - 580هـ و 1184 - 1199م ” أوج قوتها بالانتصار ألفونسو الثامن ملك قشتالة في معركة الزرك الشهيرة “شعبان 591هـ - يوليو 1195م ”، وتعد معركة الأرك من أهم الانتصارات الإسلامية في الأندلس حيث حالت دون سقوط الممالك الإسلامية فيها لعدة عقود.

وخلد الخليفة المنصور ذكرى هذا الانتصار الباهر بإكمال بناء مسجد إشبيلية الجامع وصومعته الشهيرة والباقية إلى اليوم تحت مسمي الخيرالدا وبعدما أتم المنصور بناء جامع إشبيلية في ربيع الآخر عام 592هـ “مارس 1196م ”عاد إلى المغرب بعد ذلك بقليل، وبدأ إنشاء مسجده الشاسع المعروف بمسجد حسان في مدينة الرباط، وقد ظل العمل جاريا فيه حتى وفاة الخليفة فتوقفت أعمال البناء ولم تكتمل إلى اليوم .

وزيادة على ذلك فقد عمت البلاد حالة من الفوضى في أعقاب وفاة المنصور، وأدت إلى تخريب ما كان قد شيد بالفعل منه، إذ نهبت أبوابه الخشبية الضخمة غداة وفاة الخليفة، وجاء الزلزال الكبير ليدمر مظلات الصلاة .

ويبدو جامع حسان اليوم وقد جارت عليه الأيام، ومساحته شاسعة تتجاوز 25.002 متر مربع، وقد مهدت بالأحجار التي تحطمت وتآكلت في كل موضع ويبلغ طول ضلع هذا الجامع 183 مترا بينما يصل عرضه إلى 140 مترا، وهو يظهر كغابة حجرية اجتثت أشجارها أو أعمدتها الحجرية، إذ فقدت كليّا نصف هذه الأعمدة وكان عددها حوالي أربعمائة عمود، ولم يتبق منها سوى قرابة المئتين، القليل منها يبدو محافا على كامل ارتفاعه الأصلي .

وبالإضافة إلى الطابق الأول من الصومعة وبقايا الأعمدة، فإن زائر مسجد حسان يرى أطلال ثلاثة من واجهات الجامع، فيما اختفت الواجهة الجنوبية الشرقية، ويظهر من بقايا الجامع أنه كان مؤلفا من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربع مظلات للصلاة، أهمها مظلة القبلة التي كانت مؤلفة من خمسة أروقة تسير موازية لجدار القبلة، بينما الثلاث الأخري بكل وحدة منها رواق واحد للصلاة .

ونوائب الدهر لم تذهب فقط برسم جامع المنصور الموحدي، بل وباسم مشيده أيضًا، فهو مثل الصومعة ينسب إلى “حسان ”، الذي يقال إنه مهندس الجامع الأندلسي الأصل، ورغم أن أسلوب بناء الصومعة يقطع بالأصل الأندلسي لمشيدها، باعتبار أنها صنو لخيرالدا إشبيلية، فإنه لا توجد معلومات تاريخية تثبت أن مهندس الجامع كان اسمه حسان كما تقول الروايات الشفهية لسمان رباط الفتح .

ويعزي بعض الباحثين تسمية الجامع والصومعة باسم حسان إلى عادة أهل المغرب في الإشارة إلى الجوامع الكبيرة المحكمة البناء والزخرفة باسم “الجامع الحسن ” ويبدو أن هذه التسمية قد حرفت بعد ذلك إلى جامع حسان، وربما كان في هذه التسمية ما يشير إلى الأصول العربية لدولة الموحدين بوصفهم من “بني حسان ” وهي التسمية التي كانت تطلق في العصور الوسطى على سكان موريتانيا الحالية .

ومهما يكن من أصل هذه التسمية، فإن صومعة حسان تطل على مدينة رباط الفتح وعلى سهلها الحافل بالأشجار وأصناف الورود، في إباء وشمم يتناسب مع الغرض الذي من أجله شيدت المدينة، لتكون بمثابة قاعدة للتموين والإمداد لأعمال الجهاد التي خاضها الموحدون ببسالة على أرض الأندلس .

ومن المعروف أن الخليفة المنصور الموحدي أنشأ هذه المدينة تحت اسم “رباط الفتح ” على مرتفع من الأرض “30 مترا عن سطح البحر ”يطل على المحيط الأطلنطي ليكون على مقربة من إقليم غرناطة بالأندلس، حيث مسرح النضال في مواجهة الممالك الإسبانية المسيحية التي كانت تشن ما عرف باسم حروب الاسترداد، ضد ما تبقى بأيدي مسلمي الأندلس من مدن وقلاع . وقد لجأ المنصور إلى تأسيس هذه المدينة، لأن حاضرة دولته الأولى وهي مدينة مراكش، كانت بعيدة عن أراضي إقليم غرناطة بدرجة قد لا يستطيع معها الخليفة أن يدرك الأندلس إذا ما داهمها خطر مفاجئ .

وجاء انتقال المنصور الموحدي من مراكش إلى مدينته الجديدة رباط الفتح، ليعطي المغرب الأقصى أهم مدنه الساحلية المستحدثة في العصر الإسلامي، وحاضرته التي لم تتبدل منذ أسسها المنصور في نهاية القرن الخامس الهجري .

back to top