كان تعبير الهامش من أكثر التعبيرات التي صاحبتها ضجة إعلامية كبيرة خلال حرب غزة، ونستعير هذا التعبير للحديث عن بعض الأمور الجانبية حول هذه الحرب معتمدين الهدوء والعقلانية، خصوصاً ونحن -العرب- نُتهم دائما بأننا نصرخ ولا نفهم، ونتكلم ولا نسمع، ونبدأ اليوم بالحديث حول قائمة العار، وهي قائمة بأسماء مجموعة من الكتّاب العرب تم تداولها على صفحات «الإنترنت» انطلاقا من موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

Ad

فالرفض المطلق لأن يوصم كاتب بوصف «العار»، فقد يكون وصفا لقرار سلطوي أو مسؤول تنفيذي، أما الرأي والفكر فلا يمكن مهما كانت درجة الاختلاف معه أن يوصف بالعار، فمن حق كل إنسان أن يتخذ ما يراه من آراء، ويعتنق ما يشاء من أفكار ويدافع عنها، بل يجب أن يدافع الجميع عن حقه في هذا الاختيار، فكما يقول فولتير «قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد أن أدفع حياتي ثمنا لأن تعبر عن رأيك»، فمن الممكن أن يؤمن كاتب مثلاً بوجهة النظر الإسرائيلية ويدافع عنها أو يهيم عشقا بأميركا، ويتمنى وجودها الدائم في الشرق الأوسط، كل ذلك من حق الكاتب... ولكن (وآه من «لكن» كما كان يقول فيلسوفنا الراحل زكي نجيب محمود) ولكن العيب و«العار» أن يحاول الكاتب الالتفاف حول رأيه... وأن يغش القارئ ويخدعه، فهنا تكمن المشكلة.

فإذا كنت تدافع عن رأي وتؤمن بقضية فلتعلن ذلك بصراحة ووضوح، أما الخداع وتضليل القارئ والإيحاء بأنك مع هذا الرأي بينما الحقيقة غير ذلك، فهذا هو العار... لأنك لم تكن صادقا مع نفسك... ولأنك خدعت القارئ، ولأنك خشيت من إعلان موقفك، أما الفكر والرأي أيا ما كان فلا عار فيه.

كاتب بدأ مقاله (حول انتصار «حماس» وسخريته منها) بقوله «إن معيار الانتصار والهزيمة إنما يتحدد بمعرفة الهدف الأساسي من الحرب، وهل تحقق أم لا» (كلام جميل جدا) وأردف أن «الحرب على غزة كان الهدف منها إيقاف الصواريخ الكارتونية التي تطلقها حماس». (لا خلاف على ذلك) ولكن... بدأ فقرة الخداع، وادعى أن الحرب أوقفت إطلاق هذه الصواريخ!! وبذلك تكون إسرائيل قد حققت أهدافها وانتصرت وبالتالي فالطرف الآخر «حماس» هزمت وما تدعيه «حماس» من نصر إنما هو كذب وافتراء.

انتهى حديث الكاتب وتضليله والحقيقة التي لم يذكرها سيادته أنه في آخر يوم للحرب يوم أن أعلنت إسرائيل وقف الحرب من جانبها أطلقت «حماس» 13 صاروخا «كارتونيا» أي أن الحرب يا كاتبنا لم توقف الصواريخ، ولكنها توقفت فيما بعد، بناء على ما أعلنته «حماس» من تهدئة مؤقتة يتبعها إيقاف لمدة عام ونصف في مقابل رفع الحصار وفتح المعابر، هذه هي الحقيقة ولو كان الكاتب منصفا وعادلا لذكرها كاملة والحقيقة الأكثر إيلاما لصاحب العار أن ما يتفاوض حوله الآن هي ذاتها شروط «حماس» قبل الحرب عندما أعلنت رفض مد التهدئة الأولى لعدم التزام إسرائيل برفع الحصار فمن الذي فرض رأيه وثبت على موقفه؟

عذرا يا صاحب العار فالجانب الآخر من التضليل والخداع وصف الصواريخ بـ«الكارتونية» فلو كانت هذه الصواريخ فعلا كارتونية كما تهكمت، وعديمة القيمة والأثر، فلماذا شنت إسرائيل تلك الحرب البربرية واكتسبت عداء العالم كله؟ بالتأكيد هناك أضرار كثيرة تصيب إسرائيل من هذه الصواريخ، أما السخرية والاستهزاء فلا مجال لهما في حديث العقل والفكر.

وإلى هامش قادم (هل «حماس» إرهابية؟)