كلما أردنا أن نطوي صفحة التأبين ومواقف التحالف الإسلامي الوطني الأخيرة لكي نكتب عن أمور أخرى، نقرأ بعض المقالات التي فيها مبالغات وأخرى فيها تجاوز للحقيقة وأوهام وخلط للحابل بالنابل. وأتحدث هنا تحديدا عن مقالي الزميلين أحمد الديين وسعد العجمي في صحيفة «عالم اليوم»، وهنا في «الجريدة»، حيث أعتقد أنهما بحاجة إلى وقفة أخرى لوضع النقاط فوق الحروف.
أبدأ بمقال أستاذنا الكبير أحمد الديين «طي ملف التأبين» والذي كتب عن تخبط الحكومة في تعاملها مع هذا الملف، حيث كانت مشاركة في عملية التهييج التي حصلت، واستغرب أيضاً من التبدل الملحوظ وغير المفهوم -على حد تعبيره- للتحالف الإسلامي الوطني في اصطفافاته الانتخابية ومواقفه السياسية.وإن كنت أتفق مع أستاذنا الديين على أن موقف الحكومة كان ساكباً للزيت على النار في تلك الفترة، حيث كان من الواضح أن قرارها كان مختطفاً من قبل الحكومة الخفية، فإن هذا يمثل جانباً واحداً من الموضوع، ولم يتحدث عن الجانب الآخر، وهو موقف التيارات السياسية التي سقطت كلها من دون استثناء في الاختبار، فسكوت هذه التيارات على عملية التهييج والكذب وتحريف الحقائق التي قادها سراق المال العام وأزلامهم، وتفضيلهم للتكسب الشعبي على اتخاذ موقف وطني شجاع ضد تلك الحملة المسعورة، ذلك كله شجع الحكومة الخفية والأجهزة الإعلامية المشبوهة في مضيهم في مؤامرتهم الكبرى.في بداية تلك الأزمة، صمت الكتاب الوطنيون معظمهم عن اتخاذ موقف باستثناء قلة وأبرزهم الزملاء د. ساجد العبدلي والأستاذ عبداللطيف الدعيج. ومع تقديري لمواقف الأستاذ الديين في تلك الفترة إلا أن صيامه عن الكتابة في أول أسبوع من الأزمة لم يكن موفقا، حيث إن الموقف المطلوب لم يكن للدفاع عن للنائبين عبدالصمد ولاري، بل كان للدفاع عن البلد ضد قوى الفساد التي صالت وجالت في الساحة من دون أي منازع.وإزاء هذا الموقف المتخاذل من قبل القوى الوطنية، ألا يحق للتحالف الإسلامي الوطني أن يعيد تقييمه بعلاقته بهذه القوى؟! فما فائدة الأصدقاء إن لم يقفوا معه في أوقات الشدة؟! هذا لا يعني بالطبع تبديل مواقف التحالف ورموزه الوطنية التي يعرفها الأستاذ الديين حق المعرفة. فلا يمكن اعتبار التصويت على سقف الراتب وصندوق المعسرين تبدلاً في المواقف المعارضة، خصوصاً أن كثيراً من حكوميي الأمس يقفون في الضفة المقابلة بينما نجد سيد عدنان مثلاً قد صوت ضد ميزانية حكومة تياره ممثل فيها. أما الزميل سعد العجمي فحقيقة لا أدري من أين أبدأ بمقاله المليء بالمغالطات «الصفقة السرية في تسوية أزمة تأبين مغنية»، لكن سأبدأ بادعائه بأنه دافع عن النائبين عبدالصمد ولاري «بقوة» أثناء الأزمة، وهو كلام غير دقيق. فقد كتبت يا أخ سعد بتاريخ 20 فبراير مقالاً تحت عنوان «مَن أبّن مغنية كمَن سرق الكويت... كلاهما طعن الوطن»، وكررت الجملة نفسها في مقالك بتاريخ 27 فبراير. فأين هذا الدفاع «القوي» الذي تدعيه وقد ساويت بين سراق المال العام والنائبين المعروفين بمحاربتهما لهؤلاء؟!أما عن حديثك عن المساومة ودهاليز المقايضة التي ستؤدي إلى الخضوع عاجلا أم آجلا، فيؤسفني انك لا تعرف عمن تتحدث. فأنت تتحدث عن تيار استقى مبادئه من مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) القائل: «يخيرونني بين السلة والذلة... وهيهات منا الذلة». فهذا التيار عارض بنوابه الثلاثة القرض الصدامي في الثمانينيات، فقامت الدنيا ولم تقعد عليه وطالب بعضهم بقطع تلك الأيادي الثلاث، لكنهم لم يتزحزحوا عن مواقفهم حتى أتى الغزو الصدامي ليؤكد صحة موقفهم وبطلان موقف الأغلبية الساحقة. وفي أزمة التأبين، لم يتزحزح النائبان عن موقفهما ولو بشبر واحد بالرغم من مطالبات الجميع لهما بالاعتذار، وكانا مستعدين للثبات على ذلك الموقف حتى النهاية مهما حصل لأن الاتهامات كانت كلها مبنية على إشاعات بينما العقل والوقائع يثبتان عكس ذلك، ولك أن ترجع إلى مقال د. عبدالمحسن حماده في «القبس» بتاريخ 5 يوليو للمزيد من التفاصيل. ولا أعتقد أنك تستطيع أن تعطيني مثالا أقوى من هذا المثال بالصلابة والشجاعة والثبات على الموقف.فمَن اتخذ هذا الموقف عندما كان الضرب يأتيه من كل ناحية لا يقوم بصفقة تسوية، وهو في عز قوته بعدما بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود بتصريح سمو رئيس مجلس الوزراء عن عدم وجود أي دليل يدين مغنية. ومَن لم يقم بأي تنازل عندما كان متهماً بالاتهامات كلها المستخرجة من الأرشيف الصدامي وأبرزها قلب نظام الحكم، لا يقوم بتنازل وقد سقطت عنه تلك التهم كلها، ولم يتبقَ منها سوى تهمة نشر أخبار كاذبة عن طريق برقية تعزية إلى «حزب الله» باستشهاد مغنية! وهي قضية خاسرة لا محالة. وإن كنت تعتقد أن النائبين تغيرا بمجرد توزير د. فاضل صفر، وأصبحا من ضمن «فريق المنصة وتوابعها»، فيبدو أنك لا تعرف أن النائب السابق عبدالمحسن جمال عُرضت عليه الوزارة مرتين من قبل ورفضها. ولو كان هذا التيار يطلب جاهاً أو منصباً لنال ذلك منذ زمن، لكن دخول الوزارة أتى بسبب المعادلة السياسية الجديدة التي تحدثت عنها في الأسبوع الماضي، وإن جاء الوقت ليختار التيار بين البقاء في الحكومة في موقف مفصلي ضد مصلحة الشعب أو الخروج، فإنه حتما سيختار الخروج، وستثبت لك الأيام ما كنت عنه جاهلاً، وأما إن كانت هناك فعلاً صفقة سرية كما تدعي، فلماذا لا تكشفها لنا حتى تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا تجاه هذا التيار؟ أما إذا كان الكلام وتوزيع الاتهامات «ببلاش»... فهذا أمر آخر.
مقالات
وقفة مع الديين والعجمي
10-07-2008