«فمجتمعنا محافظ بطبيعته»...

Ad

عبارة، أصبحت تتردد كثيراً على ألسنة وأقلام بعض الإخوة النواب والكتّاب والدعاة، من ذوي الاتجاه الديني تحديداً، فما الذي يقصده الإخوة حين يرددون على مسامعنا وفي كل قضية من القضايا، صغيرة كانت أم كبيرة، أن «مجتمعنا محافظ بطبيعته»؟! هل يعنون أنه محافظ على مبادئ الدين وتعاليمه السمحة الجميلة، أم أنه مجتمع محافظ على عاداته وتقاليده الطيبة التي ورثها عن الآباء والأجداد؟! أم أنه مجتمع محافظ على كليهما، الدين والتقاليد؟!

العبارة، تبدو جميلة برّاقة للوهلة الأولى، لكنها للأسف الشديد، تأتي هنا بغير معناها، وفارغة من محتواها، كما يبدو، فما هي إلا حجة جديدة، وجد فيها كالعادة، بعض الإخوة الأعزاء فرصة أخرى لفرض وصايتهم على الآخرين، تحقيقاً لرغبة مستمرة منذ زمن، لإملاء نمط واحد من التفكير على الجميع، كما فعل بعض النواب والكتّاب الذين خشوا على أنفسهم من الفتنة، من جراء مشاهدتهم بعض المسابقات «النسائية» الأولمبية، لأنهم أناس -اللهم لا حسد- «محافظون بطبعهم»! وقد كان بإمكان أي واحد من هؤلاء «المحافظين بطبيعتهم»، أن يمسك بـ«الريموت كنترول»، ويقوم بتغيير القناة الرياضية التي أثارت «اشمئزازه» كما يدّعي، أو «شهوته» كما نظن، إلى قناة أخرى تناسب فكره وذوقه واهتماماته، لكنه عوضاً عن ذلك قرر أن على المواطنين والمقيمين جميعهم أن يبحثوا لهم عن قنوات رياضية أخرى، لأنه قد أقنع بعض إخوانه «المحافظين» في تلفزيون الكويت -اللهم لا اعتراض- بمنع عرض أيِّ من المسابقات النسائية على القناة الثالثة الرياضية، والتي هي «قناة أبوهم» على ما يبدو، حيث يظن «الشباب» بمنطقهم العجيب، أنه يستحيل على مجتمع كل أفراده -اللهم زد وبارك- من المحافظين بطبيعتهم، مشاهدة هذه المناظر التي ستؤذي إيمانهم، وتفتنهم عن دينهم، وسيتوقف كل واحد منهم عن الصلاة وعن ذكر الله بعد متابعة هذه المسابقات النسائية «المُغرية»!

حقيقه، إنه أمر مفرح للغاية، أن تنتشر عندنا «المحافظة» ويكثر بيننا الإخوة «المحافظون»، لكن بالله عليكم، أيها الإخوة والأخوات، هل يفسر لي أحدكم هذا التناقض الغريب، والازدواج العجيب؟!

لماذا يا سادتي، كلما زاد عدد «المحافظين» لدينا -وهم الآن أكثر من الهم على القلب- فرّخ مجتمعنا مزيدا من الإرهابيين الانتحاريين الراحلين إلى أصقاع الأرض بحثا عن انتقال سريع إلى الجنة على حساب الأبرياء، وفي الوقت عينه، يتزايد لدينا عدد الشاذين والشاذات والمخدرين والمخدرات في تناقض عجيب غريب؟ ولماذا كلما أصبح مجتمعنا أكثر «محافظة»، كثُر تجار الإقامات وازدهرت تجارة الرقيق، وأصبح لكل عامل من جنسية معينة تسعيرة مختلفة؟ ولماذا كلما استطالت لحى بعض المحافظين في المجتمع المحافظ، فسدت الذمم وانتشرت الرشاوى والتزوير، وكثرت الاختلاسات وزادت سرقات المال العام؟ ولماذا كلما ازداد الورع والتُقى في المجتمع «المحافظ بطبيعته»، ازدادت أعداد «البدون» المحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية وازدادات معاناتهم؟ وأخيرا، لماذا تقهقرت أوضاع المجتمع «المحافظ بطبيعته» في كل مجال من مجالات الحياة، اقتصاديا كان أم ثقافيا أم فنيا أم رياضيا، منذ ظهور «الصحوة» وأبنائها المحافظين بطبيعتهم؟!

المجتمع المحافظ على دينه وتقاليده الطيبة، هو المجتمع الذي يحافظ على تعاليم دينه، فيهتم بلب الدين لا بقشوره، فلا يهضم حقوق المستضعفين، ولا يستعبدهم، أو ينتقص من قدرهم، أو يستولي مواطنوه على كدهم وتعبهم، والذي يؤمن بالديمقراطية قولا وعملا، لا الذي يستغلها نوابه كمطيّة للتسلط على البشر، والذي يؤمن بحق الغير في الاختيار، لا الذي يختار «محافظوه» للبشر ما يشاؤون وما يشتهون، والذي يؤمن بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراده، لا الذي يميز فئة عن أخرى، والذي يحترم أبناؤه القانون والدستور، لا الذي ينتهز أبناؤه أي فرصة لمخالفته، إنه المجتمع الذي لا يتسلط بعض أفراده على بعضهم الآخر باسم الدين، ليفرضوا عليهم قناعاتهم الشخصية، ويغدو همهم كله أن يراقبوا الناس، ليقرروا لهم ماذا يلبسون، وكيف يتصرفون، وبماذا يؤمنون، ويبذلون جهدهم كله ليمنعوهم من مشاهدة «الإغراء» في المسابقات الرياضية النسائية الأولمبية، خوف الفتنة العظيمة!

إنهم وحدهم، أيتها السيدات والسادة، «المحافظون بطبيعتهم» على «توافه الأمور»، دوناً عن مليارات البشر في هذا العالم، الذين يرون في المسابقات الأولمبية النسائية، «إغراءً وفتنة» للناس عن الدين!

«شسّالفه»... أهو مرض نفسي... أم أن «الشباب»... مو شايفين خير؟!