السياسة والأخلاق تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبّقة تجعل لحياتهم هدفاً ومعنى وتلتقيان على الدعوة الى بناء نمط معين من المبادئ والعلاقات الإنسانية والذوذ عنها، وأخلاق العمل السياسي تختلف عن غيرها في كل دولة وتحددها ثقافات مجتمعاتها.الكاتب الصحافي والباحث في مجال الاجتماع السياسي فيصل عبدالله عبد النبي فصل مفهومي الأخلاق والسياسة في تعريفه لأخلاق العمل السياسي، وما لبث أن أعادهما في شرحه محللاً «إذا كانت السياسة في تعريفها البسيط هي طرائق قيادة الجماعة البشرية وأساليب تدبير شؤونها لما يعتقد أنه خيرها ومنفعتها، فالأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري نحو ما يعتقد أيضاً أنه خير، وتجنب ما ينظر إليه على أنه شر، وكلاهما، السياسة والأخلاق، تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبّقة تجعل لحياتهم هدفاً ومعنى، وبالتالي تلتقيان على الدعوة الى بناء نمط معين من المبادئ والعلاقات الإنسانية والذود عنها».
وعن اتهام بعض النواب بالانتهازية والانحدار في أخلاقيات العمل السياسي، أكد عبد النبي وجود هذه النوعيات وقسمها إلى أربع نوعيات قائلا «النوع الأول منهم من يدعم التطور والإصلاح، ولكنه لا ينتج إصلاحا وتقدما، والنوع الثاني هو من ينتج إصلاحا وتقدما من خلال المراقبة والتشريع، مما يؤدي إلى التقدم والإصلاح، أما الثالث فيدعم التخلف، ولكن ليس باستطاعته إنتاج التخلف، والنوع الرابع وهو الأخطر على الوطن والمواطن، وهو الذي ينتج تخلفا من خلال مناصرة عناصر الفساد وإبعاد الأنظار عنهم وتسليط الضوء على العنصر الصالح ومحاولة شغل الرأي العام بمشكلة وهمية ضده، وأيضا هذا النوع مشكلته أنه يدفع بتشريع قوانين تؤدي الى إنتاج التخلف والتراجع والفوضى كقوانين تكبل الفكر الحر والحريات وتقلص المكتسبات الدستورية، وأيضا يحاول أن يجيز التعدي على أموال وأملاك الدولة والتعدي على القانون وعلى إنسانية الإنسان وعلى التعددية والتسامح، أي باختصار يريد فوضى «مشرعنة» يحميها القانون!، وهؤلاء أصحاب مشروع «الغابة الكويتية» أي تحويل البلد الى غابة يختلط فيها «الحابل بالنابل» تختفي فيها معايير الكفاءة والنزاهة وتبرز بها أجواء العصابات، فالنواب من النوع الثالث والرابع ليس لديهم مشروع دولة وتنمية وإصلاح بل مكاسب شخصية إن كانوا أفرادا، بجانب السيطرة في حال كونهم تيارا، وهم لا يستطيعون تحقيق هذه المكاسب إلا في أجواء الفوضى وغياب القانون وإبعاد الكفاءات الوطنية عن المناصب القيادية، ولذلك يحاولون تحويل البرلمان الى حلبة مصارعة كي يفقد هيبته التي من خلالها يستطيعون تحقيق مكاسبهم الشخصية غير القانونية ولا دستورية ولا أخلاقية». وفي سؤال عن تحول مجلس الأمة -أو العمل فيه– كأحد منابع الفساد والتي يمكن ان تغري البعض نحو الانحدار إلى درجة أدنى من الأخلاقيات السياسية، أجاب قائلا «عندما تعطي النائب الوطني المُصلح الحصانة والقدرة على الرقابة والتشريع فسوف يستخدمها من أجل الإصلاح، ولكن عندما تعطيها للانتهازي والفاسد فسوف يستخدمها لتحقيق ما يراه، فما رأيك بنائب خاض الانتخابات الفرعية التي يجرمها القانون، هل نتوقع منه الدفاع عن القانون وهو خالف القانون! وهل النائب الذي ينجح من خلال شراء الأصوات نتوقع منه الحفاظ على الأموال العامة»، أما أهم مظاهر الفساد السياسي بالكويت، فرأى الكاتب الصحافي أن يطرحها على شاكلة تساؤلات، وقال «لو اكتشفنا أن نائبا دخل البرلمان وهو لا يملك شيئا، ويخرج منه وهو يملك ثروة، فماذا نستنتج؟ ولو قال أحد المراقبين إن هناك مالا سياسيا تشترى من خلاله الذمم السياسية؟ مؤكدا ان هناك ما يدلل على ذلك؟ كذلك عندما يقوم أي سياسي بإبعاد أنظار الناس عن الأسباب الحقيقية لمشكلة ما، وإعطائهم أسبابا هي نوع من استغفالهم ألا يكون هذا نوعا من الفساد السياسي؟ فعندما يسأل نائب عن سبب الغلاء، يجيب: انه بسبب كثرة المعاصي لدى الكويتيين، هل كان جوابه محاولة لاستغفال الناس وإبعادهم عن الأسباب الحقيقية للمشكلة أم أن جوابه نابعا من قناعته الخاصة، وهذه حدود تفكيره حول أسباب المشكلة، وبعد هذا النموذج لا أتوقع ان المواطن سوف يتعب كثيرا في معرفة لماذا لم تحل مشكلة المرور والإسكان والفساد الإداري والمالي ...الخ». وأضاف عبد النبي «عبر التاريخ السياسي حذر الكثير من المصلحين من مشكلة خطيرة وهي الفساد السياسي المغلف بشرعية دينية، فهذا أخطر أنواع الفساد السياسي، فعندما يسرق إنسان نحاسبه لأنه لص، ولكن لو غطى السارق سرقته بغطاء ديني تحت بند عمل خيري فكيف تتم محاسبته؟، فقس ذلك على المواقف السياسية التي باطنها فساد سياسي ولكن ظاهرها يبرر تبريرا دينيا يجعل الجميع لا يستطيع مواجهته خوفا من أن يتهم بأنه يواجه الدين، وليس موقفا سياسيا، فالسياسي يخرب البلد والتاجر الفاسد ينهب البلد ورجل الدين الفاسد يبرر لهم ويعطيهم غطاء شرعيا لتجاوزاتهم».
وقال أيضا «مظهر خطير جدا هو أن يتدخل الساسة وأصحاب النفوذ لإعطاء منصب لمن لا يستحق وإبعاد أصحاب الكفاءات الوطنية».