Ad

عاد «أبوعلاء» إلى حل الدولة «العلمانية» الواحدة، لأنه أراد تعرية الإسرائيليين وإحراجهم، ولأنه أراد أن يفهم الأميركيين والغرب كله أن عقدة الشرق الأوسط هي تعنُّت إسرائيل ورفضها للخيارات المعقولة وغير المعقولة كلها، ومن بينها هذا الخيار.

ما عرضه أحمد قريع (أبو علاء) قبل أيام، بعد انسداد أفق عملية السلام وتعثر المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية أكثر مما كانت متعثرة، بالدعوة إلى حل الدولة الواحدة بديلاً لحل الدولتين، اللتين تعيشان جنباً إلى جنب وبسلام، ليس جديداً فقد كانت حركة فتح قد نادت بهذا، ولو من قبيل الإحراج والتعجيز، في بدايات عقد سبعينيات القرن الماضي، وكان العنوان الذي رفعه المرحوم كمال عدوان هو الدولة «العلمانية» الواحدة.

كثيرون لم يفهموا عرض «أبو علاء» هذا الآنف الذكر، وبعضهم شتمهُ وقال فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، والحقيقة أنه كان على أحمد قريع أن يقول هذا الذي قاله كي يثبت للرأي العام الغربي، وخصوصا الأميركيين أن الإسرائيليين لا يريدون إلا حل تدمير الشعب الفلسطيني، وأنهم يرفضون حتى صيغة جنوبي إفريقيا التي أنهت صراعاً عنصرياً دامياً، ووفرت للبيض والسود العيش والتعايش في إطار دولة متآخية واحدة.

لم ينغمس أي قائدٍ ومسؤول فلسطيني في المفاوضات مع الإسرائيليين كما انغمس أحمد قريع (أبو علاء)، فهو كان الضابط الميداني عن الجانب الفلسطيني في معركة ما قبل توقيع اتفاقيات أوسلو المعروفة- التي كان محمود عباس (أبو مازن) مهندسها- وهو جرَّب الحكومات الاسرائيلية المتلاحقة كلها منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة... وهو إذْ عاد إلى خيار الدولة الواحدة ووفقاً للصيغة الجنوب إفريقية فلأن صبره قد نفد، ولأنه ازداد قناعة بأن إسرائيل بيمينها ويسارها وبمعتدليها ومتطرفيها، موقفها واحد وهدفها واحد، وهو تدمير الشعب الفلسطيني والقضاء على تطلعاته التي بقيت تتراجع على مدى ستين عاماً إلى أن أصبحت تقتصر على الدولة المستقلة المنشودة المهيضة الجناح وفي إطار الضفة الغربية وغزة.

إن هذا المسؤول الفلسطيني، الذي لا يحق لفرسان نضال وجهاد الشعارات عن بعد اتهامه بوطنيته، يعرف تماماً أن الإسرائيليين يرفضون حل الدولة «العلمانية» الواحدة، لأنهم يعتبرونه أخطر عليهم وعلى دولتهم وعلى وجودهم على هذه الأرض وفي هذه المنطقة من حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب الذي طرحه جورج بوش منذ أكثر من سبعة اعوام، ووعد بإتمامه قبل نهاية هذا العام... لكن الواضح أن هذا الوعد سيبقى وعداً إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة سواء جاء الفوز إلى جانب الجمهوريين أو إلى جانب الديمقراطيين.

لكن... وهو يعرف هذا تمام المعرفة، فقد عاد أحمد قريع إلى حل الدولة «العلمانية» الواحدة، الذي لا يوافقه على العودة إليه ولو من قبيل المناورة لا محمود عباس (أبو مازن)، ولا رئيس وزارئه الدكتور سلام فياض، ولا معظم قادة ومسؤولي منظمة التحرير و«فتح»، لأنه أراد تعرية الإسرائيليين وإحراجهم، ولأنه أراد أن يفهم الأميركيين والغرب كله أن عقدة الشرق الأوسط هي تعنُّت إسرائيل ورفضها للخيارات المعقولة وغير المعقولة كلها ومن بينها هذا الخيار.

لا أحد يعرف أكثر من أحمد قريع (أبو علاء) أن الإسرائيليين، بيمينهم ويسارهم وبمتطرفيهم ومعتدليهم، يشعرون بأن الوجود الفلسطيني في الأرض المحتلة منذ عام 1948 هو بمنزلة شوكة في حلوقهم، وأنهم ينتظرون اللحظة المناسبة للتخلص من هذا الوجود الذي يرون أنه يشكل خطراً «ديموغرافياً» على مستقبل دولتهم. لكن ومع ذلك ولأن معركة السلام مع إسرائيل أصعب من المعركة بالسلاح، فإنه لجأ إلى مناورة خيار الدولة الواحدة، وهو يعرف سلفاً أن إسرائيلياً واحداً لا يمكن أن يقبل بها.

هناك تجربة مع الاسرائيليين تجاوز عمرها الستين عاماً، وهناك «ماراثون» عملية السلام المتعثرة المستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وهذا كافٍ ليدرك المتفرجون عن بعد كَمْ أن الاشتباك مع إسرائيل من خلال المفاوضات أصعب من الاشتباك معها بالسلاح والقنابل. فالقضية الفلسطينية أكثر قضايا التاريخ تعقيداً ولذلك فإن من حق الفلسطينيين أن يسلكوا الدروب كلها، وأن يستخدموا الأسلحة جميعها، وأن يجربوا الحلول المعقولة وغير المعقولة كلها ومن بينها هذا الحل!

*كاتب وسياسي أردني