جهاد عقل: بعنا تراثنا ونغمتنا وركضنا نحو الغرب
أطلق الفنان اللبناني جهاد عقل أخيراً ألبوماً موسيقياً جديداً بعنوان «شيراز»، يتضمن مقطوعات غربية وعربية.
في الحوار التالي مع «الجريدة» تحدث عقل عن علاقته بالكمان التي وصلت إلى حد التكامل الروحي والاندماج وعن نظرته الى الواقع الموسيقي. كيف كانت البداية؟ورثت عزف الكمان عن والدي الذي علمني أصوله منذ أن كنت في الخامسة من عمري. من ثم تابعت الدراسة وقطعت شوطًا كبيرًا فيها وصولا الى مرحلة الاحتراف.ما هي المحاور التي يتركز عليها نشاطك الموسيقي؟التلحين وإحياء المهرجانات والحفلات، لا أمارس مهنة التعليم لأنني لا أرى نفسي مدرّسًا، فذلك الإطار له اختصاصه الخاص به، أما أنا فأجد نفسي عازفًا.لماذا اخترت تلك الآلة؟لست من اختارها. والدي هو الذي أجبرني على عزفها. دفعتني صعوبتها الى كرهها في مرحلة الدراسة إضافة الى الوقت الذي احتجته لإتقانها. لكنني عندما نضجت وجدت فيها أسراراً كثيرة وتعلقت بها الى حد أصبحنا شريكين في الحياة.لو لم تملك الموهبة هل كنت وصلت الى الشهرة التي حققتها اليوم؟لو لم أحب تلك الآلة لما وصلت الى هذا المستوى. صارت جزءًا أساسيًا من شخصيتي وحياتي.ألا تحب العزف على آلات اخرى؟أعزف قليلاً على الغيتار والعود والدف والكونترباس والبيانو.هل تؤلف الموسيقى على آلة أخرى غير الكمان؟الكمان آلتي، لذلك هي وسيلتي الوحيدة في التأليف الموسيقي.هل تؤلف نوعاً موسيقياً معيّناً؟بل الأنواع كلها، الرومانسية والعاطفية والايقاعية، ولكل مقطوعة وقتها. عندما تعزف الموسيقى، هل يكون ذلك ترجمة لمشاعر معيّنة؟أعزف ارتجاليًّا ومن تلقاء نفسي لأندمج مع آلتي وصولا الى النشوة الجميلة.الى أي مدى يؤثر تفاعل الجمهور معك في عطائك؟عندما أشعر بتفاعل الجمهور يزيد عطائي النابع من داخلي، إذ يتحوّل الى عمل مشترك بيننا يمنحني فرحاً كبيراً. إنها أجمل اللحظات التي أعيشها في عمري.هل لدينا جمهور يعرف كيف يستمع إلى الموسيقى؟تهتم البلدان المجاورة بالموسيقى أكثر، فلا دار أوبرا عندنا ولا مسرح. من الممكن أن أحيي حفلة في قصر اليونسكو في بيروت، لكن، للأسف، السائد هو غياب أي دعم من الدولة اللبنانية وفقدان الثقافة الموسيقية.كيف يضمن المتخصصون في الكونسرفتوار اللبناني الوطني مستقبلهم الموسيقي اذاً؟مستقبلهم مفقود ولا قواعد ثابتة يعيشون وفقها.ما رأيك بالموسيقى راهنًا؟أين هي الموسيقى في لبنان؟ ثمة نقص كبير. الفن له ألوان كثيرة، والموسيقى لون من ألوانه الأساسية، لكنها لم تأخذ حقها بعد. ما الذي يحول دون ذلك؟الغناء المبتذل والرخيص. ألا تشعر أنك تنتج ألبومًا لا سوق له في لبنان؟يختلف وضعي عن وضع سائر الموسيقيين. تعبت للوصول الى المركز الذي أنا فيه وهو يعتبر بمثابة إنجاز في مجتمع كمجتمعنا وفي عالم بعيد عن عالم الموسيقى، لذلك لا أخشى من تلك الخطوة التي أنجزتها أخيراً. هل تلحّن الأغنيات؟أحب تلحين ما هو بمستوى لائق.هل من مطربين معينين تحب أن تقدم لهم الألحان؟فضل شاكر، صابر الرباعي، يارا، وثمة شباب باتوا معروفين ويعملون جيدًا وبطريقة صائبة.وبالنسبة الى الملحنين؟أحب ألحان سمير صفير.يعتمد الانتشار الراهن على الصورة، ألا تسعى الى ذلك؟تهتم شركات الانتاج بالمغني، لكن ليس هنالك من منتجين متخصصين في عالم الموسيقى الذي هو أرقى من فن الغناء. أصدرت ألبومًا جديدًا تحت عنوان «شيراز» وهو يتضمن مجموعة من المقطوعات الشرقية والغربية وأحضّر لتصوير كليب. أنتج لنفسي، لذلك أعمالي ابطأ من غيري.ما الذي يحقق لحنًا خالدًا راهنًا؟ليس هنالك من لحن خالد، لأن العمل الجميل يقتله التكرار وكمية الأعمال الرديئة المحيطة به.ماذا تعزف في حفلاتك؟ مقطوعات موسيقية من تأليفي بالإضافة إلى المقطوعات الموسيقية الخالدة.الى أي مدى يؤثر اللحن في نجاح أغنية معينة؟اللحن هو الأساس لأنه يدخل الى الروح ليناجيها، للكلمة تأثيرها أيضاً ولكل منهما دوره.ما أسباب تراجع الفنانين الجيّدين؟تشهد الساحة الفنية اليوم بروز فنانين جيدين سواء من ناحية الأداء أو اللحن أو الكلمات، لكن عددهم قليل، ما يسيء إليهم هو الكم الهائل للفنانين الدخلاء الذين يحيطون بهم ولا يفسحون في المجال أمام انتشارهم. أصبحنا في عصر السرعة والأغنية القصيرة.هل ينسحب هذا الواقع على العالم العربي أيضًا؟أكيد . من الجيد أن يتبع الإنسان عصره، لكن ضمن الحفاظ على حضوره وثقافته، وليس أن يخسر ما وهبه إياه الله، بعنا أنفسنا وتراثنا ونغمتنا وركضنا نحو الغرب. توقف عطاؤنا منذ زمن ونحن نقتبس من الغرب ونفبرك، هذا الواقع يؤثر في الأجيال المقبلة التي تنقصها الثقافة.أين تقدّم أعمالك؟أشارك سنوياً في المهرجانات في دار الأوبرا المصرية في القاهرة والاسكندرية وفي تونس والمغرب وسوريا من دون لبنان. في الغرب أقدم حفلات خاصة، وفي الأردن أرافق جلالة الملكة رانيا في زياراتها إلى الجمعيات الخيرية والانسانية، وفي أميركا أقدّم حفلات لمستشفى سان جود لأمراض السرطان عند الأطفال، وقدمت حفلة تكريم للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.ألا تنزعج من تقديم الحفلات خارج لبنان؟أحزن على المجتمع الذي أعيش فيه، أسيّر أموري ولكن اين يتجه الموسيقيون الآخرون وما هو مستقبل الأجيال المقبلة؟ نعيش في المجهول.هل وصلت الى مرحلة التراجع؟أحيانًا نعم، لكنني أعود وأستمر. لم أندم إلا على الأمور غير الصالحة في مجتمعنا. أشعر أن الله منحني القوة للاستمرار في هذه الظروف.الى أي مدى تشعر أنك من خلال الموسيقى تساهم في مداواة المرضى؟كثيرًا، وانطلاقًا من ذلك أحب المشاركة في الحفلات الخيرية وأفتخر بذلك، لأن الموسيقى هي الدواء الأفضل في الحياة.