لا اعتراض على ان يزف خالد مشعل، المقيم في دمشق على الرحب والسعة ورغد العيش، البشرى للفلسطينيين والعرب و«العجم» بأن المقاومة بخير لو ان غزة ليست محاصرة وتذبح من الوريد الى الوريد، ولو ان عدد شهدائها لم يقترب من الألف شهيد، ولو أن عدد جرحاها لم يقترب من الخمسة آلاف، ولو ان الشعب الفلسطيني كله الذي في الداخل والخارج لا يعيش مأساة حقيقية، ولو ان القضية الفلسطينية لم تصبح موضوعة على مائدة الشطب.
بعد حرب يونيو عام 1967، التي استكملت فيها إسرائيل احتلال فلسطين مـن البحر غرباً وحتى النهر شرقاً ومـــن الناقورة في الشمال حتى رفح في الجنوب، والتي احتلت فيها سيناء حتى قناة السويس وهضبة الجولان حتى سعسع على مشارف الفيحاء، أعلنت دمشق الثورة ومعها القاهرة وبقي الإعلام المـُظلِّل يردد هذا الإعلان لفترة طويلة بأن العدوان لم يحقق أهدافه لأن «الأنظمة التقدمية» المستهدفة أساساً به لم تسقط وبقيت صامدة، «إن للباطل جولة ولقد خسرنا معركة ولم نخسر الحرب». وعلى الخطى نفسها وبالطريقة إياها فقد أعلن خالد مشعل ان الاحتلال لم يحقق شيئاً، وأنه على الصعيد العسكري فشل فشلاً ذريعاً! فالمهم هو ان المقاومة التي هي «حماس» بخير، وأن تسقط العملية السلمية، وغير مهم أن يحل كل هذا الدمار والخراب بغزة وأن يدفع أهلها هذا الثمن الغالي، وأن تتعرض القضية الفلسطينية لهذه الأخطار التي تتعرض لها... إن المهم هو هذه الأيقونة التي اسمها مقاومة ليبقى الولي الفقيه في طهران، الذي أصدر فتوى قبل أيام قليلة بمنع الإيرانيين من التطوع كانتحاريين من أجل فلسطين، يستغل مأساة الفلسطينيين من أجل تحقيق هدف استعادة الأمجاد الفارسية القديمة. وبالطبع ولأن خالد مشعل يعتبر ان الانتصار قد تحقق مادام ان «حماس» بخير فهو أملى شروط منتصرٍ على «العدو الصهيوني»: «وقف إطلاق النار بلا قيد ولا شرط، والانسحاب من غزة الى المواقع التي كانت تُعسكِر فيها القوات الإسرائيلية قبل بدء الهجوم، وفتح المعابر كلها بما فيها معبر رفح... وأيضاً فإن التهدئة الدائمة مرفوضة وأن القوات الدولية غير مقبولة، وستُعتبر أي قوات دولية تفرض على شعبنا قوات احتلال»... نحن الآن نصر على مواقفنا في المفاوضات ولن نسمح لأي مسؤول عربي ان يُدخل نفسه لنتنازل عن حقوقنا. لقد كان على «الأخ» خالد مشعل ان يسأل غيره، لأنه عندما وقع عدوان يونيو عام 1967 كان لا يزال في أُرجوحة الطفولة، عن مصير الأنظمة التقدمية والثورية التي استهدفها هذا العدوان الذي فشل لأنها بقيت «صامدة»، ولم تسقط وكيف أنها انتهت نهاية مأساوية وكان البديل هو «الاعتدال» الذي حارب واستعاد سيناء كلها والذي أبدى المزيد من الواقعية، ولكن الأجل داهمه قبل ان يستعيد الجولان وفقاً لـ «وديعة رابين» المعروفة. إنها أمنية غالية ان تكون «المقاومة» فعلاً بخير وأن تحطم الجيوش الإسرائيلية الغازية وتستعيد «القدس والنَّقب» وفلسطين كلها من البحر الى النهر ومن رفح حتى الناقورة... لكن واقع الحال، وهذه حقيقة، غير هذا فغزة تذبح من الوريد الى الوريد وها هو «فسطاط الممانعة» الذي تغــزَّل فيه خالد مشعل أكثر مما تغــزل كثيـر عزة بمحبوبته يتخذ وضعية: «العين بصيرة واليد قصيرة»، ويعلن الشيخ حسن نصرالله الناطق باسمه أنه بريء من صواريخ الكاتيوشا التي انطلقت على نهاريا من الجنوب اللبناني براءة الذئب من دم ابن يعقوب. * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
على خطى الأنظمة الثورية!
14-01-2009