حقيقة علاقة إيران بـ القاعدة
هناك فارق جوهري بين «ثورة إيرانية» كانت تغذي جماعات الإحياء الإسلامي وتلهمها، ودولة إيرانية تخلت عن تصدير الثورة وتعاملت ببراغماتية واضحة مع الجماعات الإسلامية خوفا على مصالحها، وراحت تقطع الكثير من الوشائج التي كانت تربط هذه الجماعات بها.
كلما تصاعد الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية يتجدد حديث متراوح بين الهمس والصراخ حول علاقة طهران بما تسمى الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين، المعروفة أمنيا وإعلاميا باسم «تنظيم القاعدة»، لكن أحداً لم يقدم حتى الآن، بما في ذلك المخابرات الأميركية، أدلة وبراهين دامغة على أن هذه العلاقة موجودة أصلا، ومستمرة مع تقدم الأيام، ويتم البناء عليها، والتعبير عنها في الصراعات الإقليمية الراهنة، خصوصاً الصراع الدامي الذي يجري على أرض العراق. فواشنطن لا تقطع بشيء وطهران تستفيد من غموض الموقف، ليظل السؤال مطروحا والإجابات ناقصة. على وجه العموم فقد تحدث البعض منذ عام 1992 تحديدا عن وجود ما سميت «لجنة ارتباط عليا تشرف على الجماعات الإسلامية المتطرفة في العالم العربي»، تقود تنظيما أصوليا دوليا يوازي نشاطه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ومهمتها دعم نشاطات أعضاء هذه الجماعات المنتشرين في دول عربية مثل مصر والجزائر وتونس، وكانت تضم ممثلين عن حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية في السودان، وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، وعباسي مدني ورفاقه زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر وحركة «حماس» الفلسطينية، وتنظيم الجهاد في مصر. وقد قيل وقتها إن هذه اللجنة تنسق أعمالها مع بعض المسؤولين في إيران، وتتقلى دعما منها. وجاءت شهادة عبد الفتاح فهمي، أحد أبرز العائدين من أفغانستان وصاحب العلاقات الواسعة بالراديكاليين الإسلاميين المصريين وغيرهم في الخارج، لتبرهن على أن هناك تيارا داخل إيران كان يدعم «إسلاميي الخارج»، حيث قال: «كان هناك قسم داخل إيران يرى القيام باستغلال حركات التحرر في تدعيم مرتكزات الثورة ومنها فتح خطوط اتصال للضغط على دول مثل مصر. وكان قائد هذا الجناح المتشدد مهدي هاشمي، وبعد إعدامه تولى آية الله صادقي جناح دعم حركات التحرر وتمويلها... وهذا الجناح لا مانع عنده من استضافة المعارضين ودعمهم ومدهم بالأموال... والظواهري كان حريصا على اللقاء مع مندوب المخابرات الإيرانية في بيشاور إيريابور بحي ناصر باغ، ومعهما قنصل المدينة روحي صفت وأحمد حسين عجيزة، أحد أبرز المقربين للظواهري، ليستفيد من هذا الوضع». كما أن القول بأن إيران تستضيف محمد شوقي الإسلامبولي يلاقي شكوكا، رغم وجاهته وقربه من المنطق، نظرا لأن من كان يحميه داخل أفغانستان وهو حكمتيار على علاقة قوية بإيران، كما أنه أخو خالد الإسلامبولي، الذي يحظى لدى التيار المحافظ في إيران بمكانة ملموسة لدرجة أن أحد شوارع طهران يسمى باسمه، لأنه اغتال الرئيس السادات، صديق شاه إيران محمد رضا بهلوي وعدو الثورة الإسلامية الإيرانية.لكن اتهام إيران بتقديم دعم مادي إلى الراديكاليين الإسلاميين لم يقطع به وقتها المحايدون، ولم تظهر أدلة ملموسة عليه، حتى وقت قريب. وهناك فارق جوهري بين «ثورة إيرانية» كانت تغذي جماعات الإحياء الإسلامي وتلهمها ودولة إيرانية تخلت عن تصدير الثورة وتعاملت ببراغماتية واضحة مع الجماعات الإسلامية خوفا على مصالحها، وراحت تقطع الكثير من الوشائج التي كانت تربط هذه الجماعات بها. كما أن هناك فرقا بين دخول عناصر تنتمي إلى «القاعدة» وغيرها إلى الأراضي الإيرانية من دون علم السلطات وبين تواطؤ تلك السلطات مع هذه العناصر، والسماح لها بالتدفق إلى إيران عقب الهجوم الأميركي الكاسح ضد طالبان في أكتوبر من عام 2001، بما أفقد تنظيم القاعدة الحاضنة الرئيسية التي كانت تضمه، وتقدم له الدعم المعنوي واللوجستي. عموما فإن طهران شرعت بالفعل في معالجة هذه القضية، من خلال طرد عناصر إسلامية متطرفة جاءت إلى الأراضي الإيرانية من الخارج، وتسليم عناصر أخرى، الأمر الذي يؤكد أنه ليس هناك ما يمنع على الإطلاق وهذا سر سيظل محجوبا إلى أجل لا يعلم مداه إلا الإيرانيون أن تكون طهران قد فتحت ذراعيها إلى أقصى حد لبعض قادة «القاعدة»، لتستخدمهم في إدارة منافساتها وصراعاتها الإقليمية والدولية، لاسيما بعد أن صار هذا التنظيم ذا طابع عالمي، ووقع في خندق مشترك مع إيران يتمثل في العداء السافر للولايات المتحدة وسياساتها ووجودها في منطقة الخليج العربي. ومع هذا ليس هناك حتى هذه اللحظة ما يؤكد أن هذا الملف قد يمثل مستقبلا محور خلاف حاد بين واشنطن وطهران، أو أنه سيستمر في مراكمة ذارئع أميركية لضرب إيران، بدعوى احتضانها للإرهاب الدولي.* كاتب وباحث مصري