Ad

الحوار هو جزء أساسي من قيمنا ومبادئنا الثابتة التي لا تبدلها عوادي الأيام ولا مصائب الدهر أو ظلم «الآخر» أو إجحافه. لكن مَن علمنا الحوار وأمرنا به علمنا كذلك الجهاد والمقاومة ومقارعة الظالم وعدم السكوت أمام الجور.

أن ينطلق نداء متجدد للمسلمين يدعو إلى الحوار مع «الآخر» من جوار بيت الله الحرام ومن داخله هذه المرة ليذكرنا بنداء نبينا ورسول الرحمة للعالمين (ص) وبالدعوة الأولى بأن تجادلوهم بالتي هي أحسن، ليس أمراً محموداً ويُثاب المرء عليه فحسب، بل هو يندرج ضمن الواجب العيني المفروض على كل مسلم ومسلمة في هذه اللحظة العصيبة التي يمر بها المسلمون!

لكن الحوار هذا لا ينبغي أن يتحول إلى ذريعة بيد أحد، أي أحد، لإيهام العالم، وتحديداً المجتمع الغربي، بأن المسلمين على استعداد للتخلي عن أي من مطالبهم المشروعة بإقامة علاقات سوية ومتكافئة مع الآخر مبنية على الاحترام المتقابل، أو بأنهم على استعداد للتخلي عن حقوهم الشرعية والقانونية في الأرض والموارد التي ارتكب «الآخر»، ولايزال، عملية اغتصابها ونهبها بشكل منظم ومدروس يبرهن أنها أحد أشكال الجريمة المنظمة التي لم يشهد العالم نظيراً لها، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بفلسطين ذلك القلب الدامي والنازف من العالم الإسلامي منذ ما يقارب المئة عام أو يزيد!

نعم نقول ذلك... أولاً، لأن الحوار لايسقط حقاً، فالحقوق لا تسقط بالتقادم بسبب وجود إرادة للحوار، ذلك لأن إرادة الحوار هنا إنما هي دعوة إلى حل النزاع بالطرق السلمية لا بالطرق العنيفة. ويتطلب الأمر هنا من «الآخر» الإقرار بجريمته ومن ثَم الإذعان بضرورة إعادة الحقوق إلى أهلها بالتي هي أحسن، بدلاً من تحميل العالم، كل العالم، أكلافاً إضافية بسبب إمعانه في الجريمة، وهو ما أفرز، ولايزال، مقاومة وإصراراً على استرداد الحقوق مهما كانت الأثمان ذلك لأننا أمة لا تغفل عن شهدائها ولا عن حقوقها المغتصبة ولا عن ممارسات الجريمة المنظمة لأعدائها... ولو اقتضى الأمر استمرار الكفاح العام!

وثانياً، لأن الحوار هو جزء أساسي من قيمنا ومبادئنا الثابتة التي لا تبدلها عوادي الأيام ولا مصائب الدهر أو ظلم «الآخر» أو إجحافه. لكن مَن علمنا الحوار وأمرنا به علمنا كذلك الجهاد والمقاومة ومقارعة الظالم وعدم السكوت أمام الجور، لأننا عند ذلك سنتحول إلى شيطان أخرس... والشيطان الأخرس لايتقن الحوار ولايليق به أن يتقدم قافلة المحاورين ويتحدث باسمهم!

وثالثاً، فإن الحوار لا ينبغي ولا يجوز أن يتحول إلى «محمل» يستخدمه بعضهم ليتقدم من خلاله بشهادة حسن سلوك إلى المجتمع الغربي الظالم والمتعجرف والأحادي النزعة، ولاسيما مع الطرف الأميركي المتبجح، كما أنه ليس من نوع تقديم أوراق اعتماد لإسرائيل التي غدت وكأنها البوابة التي منها يدخل المعتمدة أوراقه ومنها يخرج مَن تُرفض أوراق اعتماده!

وحاشا للمسلمين والعرب منهم على وجه الخصوص أن يقبلوا ذلك!

وعوداً على بدء... نقول نعم للحوار مع الآخر، ولاسيما عندما يخرج من مكة المكرمة وبإجماع المسلمين، وهذا ما حصل بالفعل في الأسبوع المنصرم، وهو أمر نجله ونحميه برموش أعيننا ونفتخر به ونرفع رأسنا به. وقد شاركنا فيه ونعتبره فرصة ذهبية «للآخر» الذي لايزال هو مَن يرفض الحوار وليس نحن، كما يريد بعضنا من أبناء جلدتنا أن يصور ذلك ويشاركه قسم واسع من ذلك «الآخر» الذي يريد أن يؤاخذنا بجريرة عنف و«إرهاب» هما من صنعه ونتاجه إن كان فعلاً عنفاً أعمى وإرهاباً، في ما هو من مبادئنا وقيمنا الثابتة وغير القابلة للتصرف إن كان من نوع المقاومة والدفاع اللذين نفتخر بهما أوبالانتماء إليهما واعتمادهما نهجاً للعزة والفخار إلى قيام الساعة!

باختصار شديد، نعم... لحوار متكافئ. ولا وألف لا... لحوار استلحاقي!

ونعم... لحوار أمرنا به رسولنا الكريم بمنزلة أوراق اعتماد نقدمها إلى المولى الواحد الفرد الصمد رب العباد والبلاد لنيل الرضا والثواب، وليس بمنزلة أوراق اعتماد نقدمها لرب الشهوات والأطماع والاستئثار ونهب الثروات وأرباب الحروب تحت ضغط الإرهاب لنيل مقعد في معادلة الظلم الدولية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني