Ad

المؤسف أن المرشحين الذين يرسلون مسجات الاستجداء لا يجدون غضاضة في تدبيح رسائل نصية خالية من الصدق والحب، وتفتقر إلى أصول ومعايير السبل المجدية للتواصل مع الناخبين، والاتصال بهم، بمنأى عن هتافات تستجدي التعاطف بلغة وأسلوب وقاموس الشحاذة والشحاذين «المحترفين» الذين لا يصدقهم أحد سوى الطيبين.

* عشية يوم الانتخابات وصباحه! انهمرت على شاشة موبايلات الناخبين، مسجات شتى وعديدة سعيا إلى تبليغ الرسالة الأخيرة للمرشحين، والتي تجسد زبدة البلاغ وخاتمته! ومن الطبيعي أن يتباين معشر المرشحين في صياغة «مسجاتهم» الأخيرة ويتفاضلون. فالمرشحون المخضرمون اتسمت رسائلهم النصية بصياغتها البليغة والمختصرة ذات الدلالة المراد إيصالها إلى الناخب، ولذا أحسب أنها مجدية، أو على أقل تقدير، لم تكن سلبية وضارة بالمرشح نفسه! لاسيما أنها كانت خالية من مفردات قاموس الاستجداء والشحاذة المتكئة على قيمتي «النخوة والفزعة» اللتين تحسبان بأن الناخبين يمكن أن يبدلوا خيارهم الحر المحسوم سلفا، بجرة رسالة نصية «موبايلية» حماسية عاطفية فجة وساذجة ومثيرة للأسى والضحك معا! وقد تكون هذه النوعية من «المسجات» مقبولة، إذا كان مصدرها مرشحا يفتقر إلى الخبرة والمعرفة في مجال فن الاتصال والتواصل بالناخبين، لكنها تكون شاذة ومعيبة إذا صدرت عن مرشح مدجج بحرف الـ«د» الذي يسبق اسمه وشخصه! لأن صياغة رسالته الأخيرة لا تدل على أن حرف الـ«د» يحيل إلى لقب الدكتور، بل إلى «الدنبكجي» الذي يطبل ويزمر بشعارات «النخوة والفزعة» وغيرهما من هتافات عتيقة قد تصلح لنصرته في أزمة أو ورطة وما شابه ذلك، لكنها -بالتأكيد- لا طائل منها في ميدان المعركة الانتخابية البتة! والأنكى أنها تتحول إلى إعلام مضاد له... خذ عندك مثلا «مسجات» ذلك المرشح الأكاديمي الذي طفق يتوسل عبرها راغبا في إثارة نخوة الناخبين وفزعتهم، بلغة فجة ساذجة كالتي يستخدمها المفلسون والمعوزون وأمثالهم في المساجد! والحق أن هذه الصيغة لا تسيء إلى صاحبها فحسب، بل إنها تهين عقل الناخب من حيث لا يحتسب حضرة المرشح الهمام، كأن تلعلع «مسجاته» بنداءات الاستجداء مثل» (جدي وجدتي، أمي وأبوي، عمي وخالي، أختي وأخوي... إلخ، لا تنسوني فأنا في أمس الحاجة إلى فزعتكم وكرمكم ونخوتكم وفروسيتكم»! وأحسب أن تقرير الزميل «عبدالله العتيبي» بهذا الصدد، المنشور في «الجريدة» الصادرة الأحد الماضي 18 مايو، قد عرّى سوءة «مسجات» هذه الفصيلة من المرشحين، الفقراء فكراً ومعرفة وخبرة في صياغة الرسالة الأخيرة الموجهة إلى الناخبين!

* يقول مولانا «جلال الدين الرومي»: «إن الروح التي شعارها الحب الحقيقي، من الخير لها ألا توجد، فليس وجودها سوى عار»! والمؤسف أن هؤلاء المرشحين يتعامون عن العار والشنار، ولا يجدون غضاضة في تدبيح رسائل نصية خالية من الصدق والحب، وتفتقر إلى أصول ومعايير السبل المجدية للتواصل مع الناخبين، والاتصال بهم، بمنأى عن هتافات تستجدي التعاطف بلغة وأسلوب وقاموس الشحاذة والشحاذين «المحترفين» الذين لا يصدقهم أحد سوى الطيبين الساذجين ذوي النيات الحسنة! ناسين ومتناسين أن هؤلاء المرشحين المتذللين تنسحب عليهم مقولة عمنا أبي الطيب المتنبي:

الذُّل يُظهر في الذليل مودّة

وأود منه لمن يودُّ الأرقمُ

وأسوأ الرجال، بحسب تصنيف ومعايير العلامة اللغوي «الخليل بن أحمد الفراهيدي» ذلك الرجل الذي لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه!

وهو ما حدث فعلا من قبل الناخبين، الذين لا تنطلي عليهم مواويل الاستعطاف النشاز! فهل يستقيم الظل والعود أعوج بحسب القول المأثور ؟! والذي لا يتناساه سوى الثور الذي يروم تحقيق المستحيل على شفير هار، والحق أن طالب الحاجة في هذا السياق أعمى البصر والبصيرة، بظنه -آثما- أن الناخبين على شاكلته، وسوف يستجيبون لخطابه لدوافع «إنسانية» عاطفية ما أنزل الله بها من سلطان! ولعلّه من نافل القول التنويه بأن المرشحين ذوي نداء «صوت لله يا محسنين» يستجيب لهم الناخبون بقولة «الله يعطيك»! غير عابئين بإلحاحه الشديد، ولا مكترثين بحضوره الخاوي الوفاض! لأنهم موقنون بفشله الذريع أثناء عملية الاقتراع! والظاهرة «الشينة» الأخرى المصاحبة لإعلام الاستجداء تظهر في سلوك بعض المرشحين الذين يطيحون بالناخبين «بوساً» وتقبيلاً وعناقاً أمام مدخل مركز الاقتراع! ولو أن هذه الفعلة قامت بها بعض المرشحات الحسناوات، وتقبلها الناخب بفرح وشغف مشبوبين، فقد يجد نفسه هو ومرشحاته «مكلبشين» بالأصفاد من جراء توظيف الرشوة العاطفية المحرمة شرعاً وقانوناً، ولكن لحسن حظ المرشحات، وسوء حظنا نحن معشر الناخبين أن هذه الرشوة محصورة في المرشحين الذكور فقط لا غير!