أخيرا، حصل زارجنار «المزّيح» على جائزة حقوقية دولية، هي جائزة «إنسانية واحدة One Humanity» المقدمة من منظمة القلم الدولية في كندا. كنت أقرأ الخبر بغير اهتمام حقيقي، حتى وقع نظري على رقم 45، وهو عدد السنوات التي حكم بها بعد فترة وجيزة من حصوله على الجائزة.

Ad

انتابني الفضول لمعرفة ما اقترف هذا الناشط كي يستحق حكما ينطوي على رغبة أكيدة في إزاحته وراء جدران السجن، حتى الموت. فعدد سنوات حكمه، يساوي عدد سنوات عمره الحالي، وبعملية حسابية بسيطة، لا يبدو هناك أمل كبير بخروجه من السجن حياً، إن فرض عليه قضاء المدة كاملة! وبسؤال السيد «غوغل»، استغرقت ساعتين أو أكثر، أتنقل بين حكاياته ونكته وقصائده، زانجنار طبعا.

قرأت أنه اعتقل سابقا مرات عدة كان آخرها منذ أشهر، بسبب ما بذله مع آخرين من جهود إغاثة لمساعدة ضحايا الإعصار نرجس الذي ضرب بورما في مايو الماضي وأوقع آلاف القتلى والمفقودين والمشردين، وبسبب انتقاداته العلنية لتعامل السلطة العسكرية الحاكمة مع الإعصار ونتائجه الكارثية، بطئا وإهمالا.

والحكم الصادر بحقه، ناله عن جدارة، بتهم «إثارة مشاعر السخط إزاء الدولة والحكومة وانتهاك قانون الإلكترونيات»، على خلفية إدلائه بتصريحات للإعلام الغربي حول التعامل الرسمي مع الإعصار، واستخدام وسائل الاتصالات الحديثة للتواصل مع العالم ونقل تفاصيل الكارثة الإنسانية للملأ. ويبدو أنها المواد القانونية التي توازي لدينا «نشر أنباء كاذبة تنال من هيبة الدولة».

وللتعريف به، كان يذكر أنه ناشط ديمقراطي، ممثل منع من أداء أعماله الفنية، وشاعر حرم في سجنه قبل الأخير من استخدام الأوراق والأقلام، فقام بحفر أشعاره على أرض زنزانته قبل أن تحفر في ذاكرته ليخرجها معه في الإفراج السابق عنه، كما حرم لاحقا من نشر كتاباته وقصائده. لكن بالتزامن مع الصفات الأخرى جميعها، كان يوصف بالكوميديان، ليس فقط في معرض أعماله الفنية، لكن في حياته اليومية. زانجنار، واسمه الحقيقي ماونج ثورا، معروف بخفة ظله واستخدامه للنكتة في توصيف ونقد واقع مرير وغير خفيف الظل، و«إشعال أذهان» الآخرين بتلك النكت اللاذعة، كما قال في أحد لقاءاته الصحفية، إلى درجة أن إحدى المنظمات الدولية، الهيومان رايتس ووتش، وصفت الحكم الصادر بحقه على أنه «مزاح قاس مع الشعب البورمي»!

عشرات النشطاء الآخرين تلقوا أحكاما قاسية بالسجن تصل حتى تسعة وعشرين عاما بتهم مماثلة، فيما ينتظر غيرهم أحكاما يخشى أن تكون مشابهة، خلال الأسابيع القادمة. بعضهم لأسباب تتعلق بنشاطهم أثناء الإعصار، وبعضهم الآخر على خلفية تظاهرات الرهبان ضد ممارسات الحكم العسكري العام الماضي، والتي قمعت بقسوة وعنف.

معظم المحاكمات، وفقا للبيانات الحقوقية، صورية وتفتقر للحد الأدنى من «شكليات» العدالة. ومن الملفت للنظر، وهذه ليست من بين نكات زارجنار، أن العديد ممن حكموا أو يحاكمون، متهمين باستخدام الانترنت والهاتف الجوال، لتوزيع صور ومقاطع فيديو للمظاهرات التي حصلت، فيما يخالف «قانون الفيديو» الذي ينص على عقوبة السجن لكل من ينسخ أو يعير أو يعرض أشرطة فيديو بدون ترخيص. وإن كانت الممارسة بديهية، فإنها تقنينها بنص هو ما يثير الانتباه. هي المرة الأولى التي أسمع فيها بوجود قانون مشابه، لكن الحاجة أم الاختراع! وبالنتيجة، جميعهم يكرهون الضوء، ويحاولون ما استطاعوا محاربة قنوات التواصل مع العالم، كتم الصوت وحجب الصورة.

التفاصيل جميعها، فيها ما يثير الدهشة، لكن بالتأكيد، ليس بالنسبة لنا. لا الاعتقال، ولا القوانين التي تبعث على السخرية، ولا المحاكمات الصورية، ولا ظروف الاعتقال ومعاناته. وإن كان يجب لقصة زارجنار أن تثير فينا الأسى لأن أمورا مماثلة لاتزال ترتكب في بقاع كثيرة من هذا العالم على أنها من بديهيات السلطة، فإنها أيضا وبشكل ما، تثير شيئا من «الزارجنارية»!

هي فعلا «إنسانية واحدة»، يتشابه فيها الظلم استبدادا وقمعا أينما حلّ، تتشابه أدواته وشخوصه وممارساته، مع اختلاف في الدرجة، خاصة في الابتكار! وتتشابه فيها الأرواح اليقظة والمقاومة بمحبة، أينما كانت.

قد لا يعلم زانجنار أنه ألهم آخرين في بلدان تبعد عنه مسافات شاسعة، لا تجمعه معهم لا لغة ولا دين ولا قومية، وتلك حال «الزانجنارية» في أي مكان، تتفتح على الأمل والمحبة والحياة، رغم ظروفها المحيطة التي تحاول تأبيد عكس المفردات السابقة، وما بين المزاح الثقيل لأجهزة القمع، وخفة ظل زانجنار المفعمة بالأمل، يقبع غد جديد.

* كاتبة سورية