المتابع لممارسات وتصريحات بعض أعضاء مجلس الأمة يصاب بالدهشة، ويخرج بانطباع سلبي مؤداه أنهم لا يفقهون أبجديات العمل السياسي فضلا عن معرفتهم بالدستور واللائحة الداخلية للمجلس.

Ad

قد يكون مرد ذلك هو عدم وجود أحزاب سياسية تدرب أعضاءها على العمل السياسي وتؤهلهم للعمل البرلماني، وتوفر لهم الدراسات والبحوث التي تعينهم على اتخاذ مواقف معينة تتناسب مع أفكار الحزب وسياساته وبرامجه المعلنة التي ينجح على أساسها أعضاؤه في البرلمان.

فمن المخجل، حقا، أن بعض الأعضاء يتجاوز دوره الدستوري، فنراه يتدخل بشكل فج في أعمال السلطة التنفيذية، «التي لا تحرك ساكنا»، لذا فلا غرابة أن يصرح أحدهم، وكأنه رئيس قسم فني في وزارة ما، وليس عضوا في البرلمان. أو أن تنحرف لجان برلمانية عن دورها الذي يفترض أن تمارسه، فتتحول من لجان متخصصة مهمتها مراقبة تنفيذ السياسات العامة للدولة، إلى لجان «واسطات» يقوم بعض أعضائها «بتضبيط» وضعه الانتخابي من خلال عضويته في هذه اللجان.

كما أن تصريحات بعض الأعضاء بشأن الأوضاع المحلية (غالبا ليس لهم رأي في القضايا العالمية!)، تعكس عدم معرفة بمسلمات العمل السياسي والبرلماني، فمثلاً عندما يعلق بعضهم على أي قضية إدارية بسيطة، فإنه يلوح مباشرة بالاستجواب إلى الحد الذي أفقدت تلك الأداة الدستورية الراقية معناها وقوتها.

والمخجل أكثر أن بعض الأعضاء لا يعرف أغلب مواد الدستور ولا يستطيع فهم مواد اللائحة الداخلية للمجلس، أو انه، في أحسن الأحوال، لم يطلع عليها، فتجده يرفع نقاط النظام في غير وقتها، أو يتحدث عن موضوعات غير مترابطة وليست في صلب اختصاصه، أما مسألة استخدامه للبيانات الدقيقة والأرقام والقراءة الصحيحة لأبواب وبنود الميزانية العامة للدولة ذات الـ19 مليارا، فهذه مشكلة «عويصة»، فعلاوة على عدم قدرته على استخدام الأرقام وقراءة الميزانية بشكل صحيح، فإن المصالح قد تتشابك معه مما يجعله، على سبيل المثال، «يحوس» في موضوع المصفاة الرابعة، التي تضاربت فيها المصالح المالية بشكل فاضح، وبتنا، كشعب، لا نعرف حقيقة ما يدور بشأن «صفقة المليارات».

لن نتحدث، طبعاً، عن قضايا مهمة في العمل البرلماني مثل الاستراتيجية والتكتيك، والمناورات السياسية، لأنها تعتبر طلاسم عند بعض الأعضاء.

أمام هذا الوضع غير السليم الذي يسيء للعمل السياسي والبرلماني، فإنه لابد من عملية إصلاح سياسي شامل يكون من ضمنها العمل على إشهار الأحزاب أو الجماعات السياسية الدستورية التي تعتبر حجر الأساس لأي نظام ديموقراطي. وإلى أن يتم ذلك، فإنه على الأمانة العامة لمجلس الأمة أن تقوم بتنظيم حلقات نقاشية مكثفة أو ورش عمل يشارك فيها مَن يرغب من الأعضاء، ويتم تصميمها لتتناسب مع مكانتهم الرسمية، على أن يكون برنامج هذه الحلقات النقاشية منوعاً ويحتوي على شرح لمواد الدستور والمذكرة التفسيرية وتفسير لمواد اللائحة الداخلية للمجلس ويتطرق إلى أساسيات العمل البرلماني والمصطلحات والمفاهيم البرلمانية والنقابية.

علاوة على إقامة حلقات نقاشية متخصصة تستهدف إكسابهم مهارات جديدة كإدارة الوقت، وإدارة ضغوط العمل، وإدارة الاجتماعات، وكيفية قراءة الميزانية بشكل عام، والاستخدامات المتعددة للتكنولوجيا. يضاف إلى ذلك تنظيم «سمينارات» مغلقة يحضرها مَن يرغب من الأعضاء، تناقش فيها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسة العامة للدولة والمستجدات الإقليمية والعالمية.