قالوا في العلاقات الدولية... «العلاقات بين الدول كالعلاقات الزوجية... قد تشتعل بتدخل طرف ثالث يسعى الى تحقيق مصالحه»... الكلمات لفرحات حسام كاتب مصري.
***بعد أن حبسنا الأنفاس لسنوات طويلة شهدت خلالها مطاردة لمجرمي حرب البوسنة وكوسوفو ممن تلوثت أياديهم بشتى الجرائم الإنسانية البشعة من إبادة وقتل وغزو واغتصاب وتطهير عرقي، بدأنا اليوم نتابع مسلسل سقوط عدد من المسؤولين عن تلك المجازر الملطخة أياديهم بجرائم الإبادة البشرية، وكان آخرهم زعيم صرب البوسنة، الذي اقتيد أخيراً بعد مطاردة استمرت أعواما عدة، غيَّر أثناءها ملامحه مختبئاً خلف مهنة مزيفة في بلغراد، بعيدا عن أعين قوات الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي.ولا نعلم إن كان محض مصادفة أم لا، أن يثار في الوقت نفسه ضجة دولية حول الاتهامات الموجهة لرئيس عربي، لدولة عضو في جامعة الدول العربية، وهي السودان التي استضافت قبل أعوام عدة القادة العرب في قمة الخرطوم التي شهدت انشغال الإعلام العربي عن مجازر القارة السمراء.وكان القادة المشاركون في القمة ناقشوا أطروحة إنشاء محكمة عدل عربية، وهي فكرة لم تتحمس لها أغلبية الدول العربية، وانتهى البيان الختامي ممزقا بين شرعية الحضور اللبناني، وأحلام الجامعة في تأسيس مجلس أمن عربي أسوة بالأمم المتحدة.وهنا نتساءل أين الجامعة العربية من مشكلة دارفور؟ وأين هي عندما احتجزت المساعدات المرسلة إلى دارفور في موانئ سودانية ومُنعت تأشيرات الدخول لمقدمي المساعدات وأوقف التعاون مع قوات الأمم المتحدة؟ خصوصا أن تجاهل قضية دارفور استمر تحت سمع وبصر الجامعة التي لم تتمكن من اتخاذ قرار حاسم حيالها، كما لم يلقَ الملف السوداني، الدولة المضيفة لقمة الخرطوم، أي اهتمام آنذاك.واليوم وصل الأمر إلى المطالبة بتسليم الزعيم السوداني ومثوله أمام المحاكمة الدولية بسبب اتهامات بجرائم إبادة ضد أهالي دارفور... فهل دور الجامعة مازال غائبا؟ أم اننا أصبحنا في زمن نتخذ من التنصل من الاتهامات الدولية سبيلا، والمجاملة طريقا للقفز فوق أسوار حقوق الإنسان؟ المواطن العربي البسيط يدرك أن ازدواجية الخطاب لم تعد مقبولة في الأعراف الدولية، ولم تعد مفاهيم عدم التدخل في الشأن الداخلي واضحة في عصر العولمة، كما أن التعتيم الإعلامي غدا عديم الجدوى في منع وصول قصص الإبادة إلى الصحافة العالمية. ويتفق المتابعون على أن الجامعة العربية واجهت، ومازالت، حرجا شديدا في البحث عن مخرج، فدعمها للرئيس السوداني المتهم تحت بند التضامن والوصول إلى الحلول الوسط، قد أوقعها في حرج بالغ لتناقضها بين تأييد القبض على الزعيم الصربي من جانب، والدفاع عن الزعيم العربي دون سند قانوني، على الجانب الآخر.واليوم بعد أن صدر القرار من أطراف دولية، ينبغي الاهتمام بالأطراف الإقليمية للقضية... والطرف الأهم هنا هو «الثقل الإفريقي» المهم للدول غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن حاليا في الأمم المتحدة؛ جنوب إفريقيا وليبيا وبوركينا فاسو، إلى جانب مفوضية الاتحاد الإفريقي.أما محلياً فمفتاح القضية يكمن في دور القضاء السوداني في تسليم كل من تلوثت يده في حوادث الإجرام ضد إقليم دارفور وغيرها من المناطق، وإبعاد الأطراف المسلحة عن التسويات المتفق عليها... وفي هذه الحالة ينبغي علينا، «كدول خليجية مانحة وقت الأزمات»، أن نفكر مليا قبل الهرولة إلى «تمويل» الحلول وإرسال الأموال إلى مناطق النزاع... حتى لا نصبح بعد ذلك الطرف الثالث غير المرحب به.كلمة أخيرة... سألوني أثناء حضوري مؤتمر جمع الأكاديميين في عالم السياسة، في مدينة بوسطن... عن «الدبلوماسية الثقافية»، فلم أجد خيرا من ذكر شخصية كويتية طبقت الدبلوماسية الثقافية من خلال رئاستها ورعايتها لدار الآثار الإسلامية إلى جانب نجاحها في أن تجمع «أسبوعيا» نخبة من المثقفين من أهل الكويت والدبلوماسيين تحت سقف واحد... والشخصية هي الشيخة حصة صباح السالم.
مقالات
دارفور... والقفز على الأعراف الدولية
05-08-2008