منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986.

Ad

وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى.

على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.

تفجيرات النفط ومطالبات بالإقالة

لم تكد تهدأ الساحة السياسية بعد حكم المحكمة الدستورية بحق المجلس في الاطلاع على كشوفات البنك المركزي، حتى اشتعلت من جديد بعد صدور الحكم بثلاثة أيام، وذلك على خلفية حدوث ثلاثة انفجارات في ثلاثة مواقع نفطية في الأحمدي والمقوع، وبينما انشغلت الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية بالوقوف على أسباب الانفجارات التي اتضح فيما بعد أنها عمل إرهابي، تقدم النواب محمد المرشد وفيصل الصانع وأحمد باقر باستجواب لوزير المواصلات عيسى المزيدي بتاريخ 21 يونيو 1986، تمحور حول قضية المشتركين في الخدمة الهاتفية والمستحقات المترتبة عليهم، وأدرج الاستجواب على جدول أعمال جلسة 24 يونيو التي كان متوقعاً فيها أن يطلب الوزير تأجيل مناقشته أسبوعين.

واستمرت الأجواء السياسية في التصعيد خلال أول جلسة عقب حوادث التفجيرات بتاريخ 22 يونيو عندما استنكر المجلس التفجيرات الإرهابية، وبرزت مطالبات نيابية بإقالة وزير النفط والصناعة الشيخ علي الخليفة الصباح ووزير الداخلية الشيخ نواف الأحمد الصباح، وتأزمت الجلسة بشكل أكبر عندما تقدم عدد من النواب أثناء الجلسة بطلب إصدار بيان يدين الحكومة لتقصيرها الأمني في الحادثة، وذلك جعل الحكومة تهدد بالانسحاب من الجلسة إذا ما تم التصويت عليه. وفي محاولة لاحتواء الموقف، شكل المجلس لجنة لإعادة صياغة البيان بشكل لا يحمل إدانة للحكومة، بل يناشدها بذل المزيد من الحيطة والحذر الأمني، وقد امتنع تسعة نواب من المعارضة عن التصويت على البيان المعدل معلنين تمسكهم بالبيان الأصلي الذي يدين الحكومة، وهم النواب د. ناصر صرخوه وأحمد باقر وحمد الجوعان ومشاري العنجري وفيصل الصانع ود. أحمد الربعي ود. أحمد الخطيب وسامي المنيس وجاسم القطامي.

توالي الاستجوابات

وفي اليوم ذاته، تقدم النواب ناصر البناي وخميس عقاب وسامي المنيس باستجواب لوزير المالية والاقتصاد جاسم الخرافي حول المخالفات الواردة في تقريرين لديوان المحاسبة عن صندوق صغار المستثمرين، ليضاف إلى الاستجواب المقدم إلى وزير المواصلات عيسى المزيدي، في حين تواردت أنباء عن إعداد النواب مشاري العنجري وعبدالله النفيسي وجاسم القطامي استجواباً آخر لوزير النفط والصناعة الشيخ علي الخليفة في اليوم التالي على خلفية التفجيرات الإرهابية للمواقع النفطية ومدى الحماية التي يعمل على توفيرها الوزير للمنشآت النفطية بالإضافة إلى قضايا نفطية أخرى.

وفي ما اعتبر خطوة مفاجئة للأوساط السياسية في ذلك الوقت، تقدم النواب مبارك الدويلة وراشد الحجيلان وأحمد الشريعان بتاريخ 24 يونيو، بعد يومين من تقديم استجواب وزير المالية، باستجواب لوزير التربية د. حسن الإبراهيم، وفي الوقت ذاته أرجأ المجلس استجوابات الوزراء المزيدي والخرافي والخليفة أسبوعين. إذن فالمحصلة كانت قيام تسعة نواب بتقديم ثلاثة استجوابات في غضون خمسة أيام بينما كان يعكف ثلاثة نواب آخرين على إعداد استجواب رابع لوزير النفط علي الخليفة. ورغم ما يشير إلى دخول البلاد في أزمة سياسية على إثر الاستجوابات المقدمة، فإن المجلس قد استمر في إنجاز أعماله بشكل طبيعي، فأقر في جلسة 28 يونيو مشروع قانون الخطة الخمسية وميزانية هيئة الاستثمار، التي أثار فيها النواب بعض المخالفات التي سجلها ديوان المحاسبة، وأبرزها قيام الهيئة بسحب أكثر من مليار وخمسمئة مليون دينار من احتياطي الأجيال لزيادة رأسمال مؤسسة البترول الكويتية، التي بدورها استخدمت المبلغ لشراء شركة سانتافي، باعتبار أن القانون يحظر السحب من الاحتياطي.

يوم المفاجآت الطويل

وخيم الهدوء على الساحة السياسية خلال الأيام الأربعة التالية، وقد قضتها الحكومة في دراسة الوضع السياسي الراهن، في حين لم تبدُ أية إشارات لمزيد من التأزيم، خصوصاً أن المجلس مقبل على انتهاء دور الانعقاد، وذلك يعني احتمال تأجيل بعض الاستجوابات إلى دور الانعقاد المقبل، وفي خضم ذلك، انشغل المجلس والأوساط السياسية بإحدى القضايا المهمة المتعلقة بتعديل قانون الانتخاب للمتجنسين، إذ نص المشروع المقترح على مد الفترة التي يقضيها المواطن المتجنس من 20 عاما إلى 30 حتى يحق له الانتخاب.

وكان يوم الأربعاء 2 يوليو حافلاً على عدة صُعُد، فأسمته صحيفة القبس «يوم المفاجآت الطويل»، إذ أقر المجلس في جلسته في اليوم نفسه مشروع قانون الانتخاب للمتجنسين بموافقة 34 نائبا وعدم موافقة 1 وامتناع 17، وصاحب ذلك ارتياح شعبي ونيابي نتيجة إعلان إلقاء القبض على مدبري محاولة اغتيال سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد ومدبري تفجيرات المقاهي الشعبية ومطلقي النار على رئيس تحرير صحيفة «السياسة» أحمد الجارالله.

وفي الجلسة ذاتها برز الخلاف الحكومي- النيابي من جديد بشأن موضوع طلب لجنة التحقيق في أزمة المناخ الاطلاع على محاضر اجتماعات مجلس إدارة البنك المركزي وسط رفض حكومي، وقرر المجلس في تلك الجلسة تمديد ندب النائب حمد الجوعان للتحقيق في كشوفات البنك إلى نهاية عام 1986، وكان من المقرر أن يتوجه الجوعان يوم السبت 5 يوليو إلى البنك المركزي للاطلاع على الكشوفات كافة.

استقالة وتفاؤل وحل

وفي مساء ذلك اليوم، اجتمع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الصباح مع الوزراء، ونتج عن ذلك تقديم الوزراء مجتمعين استقالتهم إلى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، ويترتب على الاستقالة إذا قُبلَت سقوط جميع الاستجوابات المقدمة بعد أن تخلى الوزراء عن مناصبهم. وحظيت الاستقالة باهتمام الإعلام والأوساط السياسية، إذ صاحبها مشاورات نيابية مكثفة، ترجمها النواب بتصريحات تفاؤلية باعتبار الاستقالة فرصة لتشكيل حكومة جديدة قادرة على التعامل مع القضايا العالقة. وفي صباح اليوم التالي، الخميس 3 يوليو 1986، اجتمع سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح مع سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله والشيخ صباح الأحمد ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء راشد الراشد، وفي ظهيرة الخميس، صدر أمر أميري بحل مجلس الأمة وتعطيل بعض مواد الدستور وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة، وألحق ذلك بقرار آخر من وزارة الاعلام بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات وإخضاع الصحف للرقابة المسبقة، وصاحب ذلك قبول استقالة الحكومة وتكليف ولي العهد تشكيلَ حكومة جديدة. وبدا لافتاً ذكر الأمير في خطاب حل المجلس أن الكويت لن تتخلى عن المسيرة النيابية، لكن خلافاً لحل المجلس في 1976 الذي احتوى على فترة زمنية محددة للحل، فإن الأمر الأميري بحل المجلس في 3 يوليو 1986 كان حلاً نهائياً من دون الإشارة إلى عودته.

نص الأمر الأميري بحل مجلس الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

فقد شاءت إرادة العلي القدير أن نحمل المسؤولية عن هذا الوطن العزيز، عاهدنا الله وعاهدنا المواطنين أن نعمل على حفظ الكويت من كل سوء.

لقد تعرضت البلاد لمحن متعددة وظروف قاسية لم يسبق أن مرت بمثلها مجتمعة من قبل، فتعرض أمنها إلى مؤامرات خارجية شرسة هددت الأرواح وكادت أن تدمر ثروات هذا الوطن ومصدر رزقه، وكادت نيران الحرب المستعرة بين جارتيها المسلمتين أن تصل إلى حدودها، وواجهت أزمة اقتصادية شديدة، وبدلاً من أن تتضافر الجهود وتتعاون كل الأطراف لاحتواء هذه الأزمة تفرقت الكلمة وانقسم الرأي وظهرت تكتلات وأحزاب أدت إلى تمزيق الوحدة الوطنية وتعطيل الأعمال حتى تعذر على مجلس الوزراء الاستمرار في مهمته.

ولما كانت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لن ينقذها منها إلا عمل حاسم وجاد، ولما كانت المؤامرات الإجرامية التي يتعرض لها الوطن لن يوقفها إلا اليقظة التامة والاستعداد الكامل والوحدة الوطنية الشاملة.

ولما كانت ظروف المنطقة تتميز بالحرج وتحيطها ملابسات دقيقة وخطرة، ولما كان استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرض الكويت إلى ما خشيناه ونخشاه من نتائج غير محمودة. ولما كانت الحرية والشورى نبتا أصيلا نما وازدهر منذ نشأت الكويت، وكانت الكويت هي الأصل وهي الهدف وهي الباقية، أما ما عداها فهو زائل ومتغير وفقاً لحاجاتها ومصالحها، فإن استمرار الحياة النيابية بهذه الروح وفي هذه الظروف يعرض الوحدة الوطنية لانقسام محقق ويلحق بمصالح البلاد العليا خطرا داهما، لذلك رأينا حرصا على سلامة واستقرار الكويت أن نوقف أعمال مجلس الأمة «وأصدرنا بذلك الأمر الآتي نصه:

مادة أولى: يحل مجلس الأمة، ويوقف العمل بأحكام المواد 56 فقرة (3) و107 و174 و181 من الدستور الصادر في 11 من نوفمبر 1962م .

مادة ثانية: يتولى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور.

مادة ثالثة: تصدر القوانين بمراسيم أميرية ويجوز عند الضرورة إصدارها بأوامر أميرية.

مادة رابعة: على رئيس مجلس الوزراء والوزراء - كل فيما يخصه - تنفيذ هذا الأمر ويعمل به من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية.

أمير الكويت

جابر الأحمد

أعضاء الحكومة المستقيلة

الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح - رئيس مجلس الوزراء

الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية

جاسم محمد الخرافي - وزير المالية والاقتصاد

د. حسن علي الإبراهيم - وزير التربية

خالد أحمد الجسار - وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

راشد عبدالعزيز الراشد - وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء

الشيخ سالم صباح السالم الصباح - وزير الدفاع

سعود محمد العصيمي - وزير العدل

عبدالرحمن إبراهيم الحوطي - وزير الأشغال وزير الإسكان

د. عبدالرحمن عبدالله العوضي - وزير الصحة وزير التخطيط

الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح - وزير النفط والصناعة

عيسى محمد المزيدي - وزير المواصلات

محمد السيد عبدالمحسن الرفاعي - وزير الكهرباء والماء

الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح - وزير الإعلام

الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح - وزير الداخلية

خالد سالم الجميعان - وزير الشؤون الاجتماعية والعمل

المواد الدستورية التي عطّلها حل المجلس

المادة 56 فقرة (3): لا يزيد عدد الوزراء جميعاً على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.

المادة 107: للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل.

فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد.

المادة 174: للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة أحكام جديدة إليه.

فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و66 من هذا الدستور.

وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. ولا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به.

المادة 181: لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا اثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه.

ضوء

من أبرز وأحدث الكتب التي صدرت لتوثق مسيرة ديوانيات الأثنين كان كتاب «وقائع ووثائق دواوين الاثنين» للكاتب يوسف المباركي، والذي احتوى على توثيق هام لهذه المرحلة التي غابت خلالها وسائل الإعلام وأسس التوثيق البسيطة، فأتى هذا الكتاب ليطلع الأجيال الحالية على مسيرة الشعب نحو عودة الدستور في ذلك الوقت.

و«الجريدة» إذ تنشر حلقاتها حول ديوانيات الإثنين، فإنها تتوجه بالشكر للكاتب يوسف المباركي على دوره في توثيق هذه المرحلة الهامة ودوره في إخراج هذه الحلقات إلى النور عبر بعض المواد القيمة التي احتواها الكتاب.

من ذاكرة الديوانيات

أنا الدستور

أنا الدستور محبوس يالشعب فكوني

امعلق اسنين خاب الرجا اف كوني

أنظم الحياة قانون موافق كوني

ليش الصلف والبعد عن روحه أو نصة

قانون الحياة نظم فيه الحكم ورد نصه

اتفصل على كيفك تاخذ أو تقط نصه

عيب اتخون العهد ليش وتخبط افكوني

ابن الدستور

شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب