مستقبل الكويت مرهون بالقبيلة (1-2)

نشر في 15-02-2009
آخر تحديث 15-02-2009 | 00:00
 عبدالمحسن جمعة بسبب إلزامية التعليم والخدمات التعليمية في الكويت، حقق أبناء القبائل طفرة في مستويات التحصيل العلمي، ولكنها لم تُستخدم لتطوير القبيلة واندماجها في المجتمع الحضري، بل إن أصحاب المؤهلات العليا منهم يعودون لينضموا إلى النمط التقليدي للقبيلة في ممارساتها الاجتماعية والسياسية عوضا عن تطويرها ومشاركتها في الدولة المدنية الحديثة.

برَّأت محكمة الجنايات الأسبوع الماضي 45 مواطناً من قبيلة العوازم (حكم درجة أولى) من ارتكاب جريمة تنظيم انتخابات فرعية والدعوة إليها والاشتراك فيها في الدائرة الانتخابية الخامسة، هذا هو آخر خبر عن موضوع الانتخابات الفرعية المتداول بانتظام منذ سنوات، ومع كل مناسبة انتخابية منذ إقرار قانون تجريم الانتخابات الفرعية في نهاية التسعينيات، وهو ملف شبه دائم على جدول أعمال مجلس الأمة ولجنته التشريعية والقانونية للإذن برفع الحصانة عن نواب تتهمهم النيابة العامة بالتورط بالضلوع في انتخابات قبلية فرعية، وهي قضية أيضا ذات فصول متعددة في الأجهزة الأمنية وساحات القضاء.

ولكن أخطر ما في هذه القضية ما جرى في انتخابات 2008 من مواجهات في الصباحية والاعتداء على مديرية أمن الفروانية، وأحداث أخرى متفرقة تثبت أن هناك واقعاً جديداً على الأرض يجب أن نعترف به، فتركيبة المجتمع الكويتي اختلفت مكوناتها بشكل كبير لمصلحة القبائل خلال العقود الثلاثة الماضية، لذا تريد القبائل أن تعبر عن نفسها في كل مناسبة يكون فيها تحدّ للسّلطة وبقية شرائح المجتمع التي تعتبر أنها مؤسسة الدولة وراعيتها، لتصرف هذا الرصيد بعد ذلك سياسياً باقتناص مواقع أكبر في البلد ومشاركة رئيسة في القرار ونصيب مؤثر من الثروة.

والخطير أيضا أن هناك توترا بين أبناء القبائل والدولة لا يمكن أن نخفيه حين تتبنى الأخيرة أي تشريع أو تتخذ أي إجراء يناقض ما استقر عليه دور القبيلة في الحياة السياسية، والذي سمحت به السُلطة منذ عام 1976 ضمن ثنائية «الإسلامين- القبيلة»، وجرى تكريسه بسبب تداعيات الحرب العراقية-الإيرانية، وأصبح أمرا مسلَّما به بعد التحرير 1991.

وحقيقة الأمر، فإن القبيلة- أو القبلية- حصلت في الكويت على ما لم تحصل عليه في أي دولة من دول المنطقة من حيث التمثيل في الحكومة، وحرية الإعلان عن كيانها وممثليها ونشاطاتها بسبب الحريات العامة المضمونة دستوريا، ومباركة وتشجيع السّلطة لها، مما منع تطورها للاندماج في المجتمع الحضري الحديث المتجذرة أصوله في الكويت منذ أمد بعيد، وأخذ يتطور في البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي.

ولعل أهم ما يمكن رصده كمؤشر لذلك هو غياب القبيلة عن أهم مظهر من مظاهر المجتمع المدني الحديث والمتمثل في الآداب والفنون المختلفة رغم المواهب المتعددة وارتفاع المستوى التعليمي لأبناء القبائل في الكويت، فيما أصرت على الحفاظ على موروثها من شعر الحماسة والحرب المقرون بالغزل أحيانا في ما يُعرف بالشعر النبطي ذي الأنماط التقليدية الموروثة عن الشكل البدائي للقبيلة منذ مئات السنين.

ولاشك أن أبناء القبائل بسبب إلزامية التعليم والخدمات التعليمية في الكويت قد حققوا طفرة في مستويات التحصيل العلمي، ولكنها لم تُستخدم لتطوير القبيلة واندماجها في المجتمع الحضري، بل إن أصحاب المؤهلات العليا منهم يعودون لينضموا إلى النمط التقليدي للقبيلة في ممارساتها الاجتماعية والسياسية عوضا عن تطويرها ومشاركتها في الدولة المدنية الحديثة. والأكثر من ذلك، فإنهم يصبحون لسانها المؤهل علميا للدفاع عن ممارستها، كالانتخابات الفرعية، ويصفونها كممارسة شبيهة بالانتخابات التمهيدية في الأحزاب والتنظيمات السياسية، رغم يقينهم بأن هناك فارقا واضحا بين انتخابات تقوم على أسس فكرية وأخرى تقوم على رابطة العرق والدم التي لا يُسمح بإجرائها في أي نظام ديمقراطي، بل كانت موجودة فقط في نظام بريتوريا العنصري السابق في جنوب إفريقيا.

كما أنهم مطلعون بالتأكيد ويعرفون تجارب الدول القبلية السابقة وما آلت إليه من مصائب وكوارث على الشعوب... كما حدث في الصومال التي سقطت كدولة بعد عشرين عاما فقط من استقلالها بسبب ما أسست عليه من نظام قبلي على يد محمد سياد بري؛ وما يحدث الآن في اليمن بسبب التركيبة القبلية فيها، التي لا تمكِّن الدولة من بسط سلطة مطلقة لها خارج العاصمة صنعاء، مما يحرم الشعب من ثرواته وإنجاز خطط التنمية، فيما يكون الاستقرار من نصيب المدن الحضرية الساحلية فقط مثل عدن والحُديدة؛ وما تلعبه كذلك القبائل من دور في نزاعات دارفور ربما يؤدي إلى انتهاء الدولة السودانية الموحدة؛ وكذلك دورها في منع قيام الدولة الموحدة في أفغانستان؛ وما يحدث من اضطرابات واسعة في إقليم القبائل الباكستاني؛ بل إنه لولا حكمة وفطنة الملك المؤسس للملكة العربية السعودية عبدالعزيز بن سعود في تحييد العصبيات القبلية في الجزيرة العربية لما حافظ على إنجازه الكبير بتوحيدها.

لذلك، فإن ما يحدث من ممارسات من خلال «مأسسة» القبيلة بنمطها وموروثها التقليدي في الحياة السياسية في الكويت هو عامل قلق لكل دول المنطقة.

back to top