لا داعي لكم!
امتدت وصاية لجنة الظواهر السلبية الدخيلة إلى أولياء الأمور أنفسهم، وقد اكتشفنا أن بلوغ سن الرشد والتربية والعلم غير كافيين لضمان قدرة الشخص على تحمل مسؤولية نفسه، فأوعزنا بكامل وعينا لهذه اللجنة أن تقرر لنا وتحمينا من شرور أنفسنا.
يبدو أنه لا حاجة للأسرة من الآن فصاعداً، ولا داعي للعلم أو القراءة أو الثقافة. أما القوانين والدساتير فهي وسائل متخلفة لحماية الأطفال وصيانة المجتمع لم يستطع باقي العالم أن يتطور ليتخلص منها مثلما استطعنا في الكويت «ما شاء الله علينا». فنحن قد وصلنا مرحلة من التطور والرقي بحيث يمكننا أن نسلم مصيرنا وقراراتنا وخياراتنا لمجموعة من الجهابذة الذين يخططون لنا ويقررون ما نرى وما نسمع وما نقول وحتى ما نفكر لحمايتنا من الوسواس الخنّاس ومخططات الماسونية وأعداء الإسلام.فالغرب المتخلف وضع نظريات واخترع نماذج في التربية والتعليم وخط معاهدات دولية وقوانين لحماية الأطفال ومساعدة الأسرة في تنشئتهم، كما استحدث وسائل معقدة لقياس ملاءمة المواد الإعلامية كالمسلسلات والأفلام لفئات المشاهدين المختلفة (مثل PG, R, 18)، لا بل وصل به الأمر أن وضع نظما لتقييم حتى الألعاب الفيديو والكمبيوتر (مثل All, T, M) حتى يتمكن الآباء من معرفة مدى ملاءمة هذه الألعاب لأعمار وشخصيات أبنائهم. فلم يمن الله عز وجل على باقي العالم بالفطنة والذكاء لاستحداث لجنة لدراسة الظواهر السلبية الدخيلة لتريح الآباء والأمهات من هذه الأدوار المعقدة التي اعتادوا عليها ولتقرر بالنيابة عنهم ما وكيف وأين يدرس أبناؤهم، وما هو مقبول وما هو حلال وما هو مستحب، وكيف يلبسون ويتصرفون في الأماكن العامة وفي الأماكن الخاصة، وكيف يحتفلون وما يجوز لهم لاحتفال به. لا بل تقدمنا عن العالم بعقود بأن امتدت وصاية اللجنة إلى أولياء الأمور أنفسهم، فقد اكتشفنا أن بلوغ سن الرشد والتربية والعلم غير كافيين لضمان قدرة الشخص على تحمل مسؤولية نفسه. فأوعزنا بكامل وعينا لهذه اللجنة أن تقرر لنا وتحمينا من شرور أنفسنا. ولم ينعم الله على العالم بأمثال النائب المحترم محمد هايف ليريحهم من البحث في جدوى أو مخاطر ألعاب الفيديو. فهو بما أمده الله من بصيرة وعلم وخبرة يرى ما لا يراه الآباء والأمهات ويفهم ما لا يفقهه خبراء التربية العالميون، فتنازلنا له عن حضانة أبنائنا وحمايتهم. مما أغنانا عن منتجات الفرنجة من تصنيفات وأدبيات وحمى أبناءنا من كل شر. كما وصلنا إلى مرحلة من الارتقاء والتطور لنعيد تعريف ما يشكل ظاهرة دخيلة وما يعتبر سلبيا. فالفساد الأخلاقي والدعارة والإدمان ظواهر دخيلة لم نسمع بها قط في الكويت أو المنطقة ككل، ولكنها مازالت لا تشكل أولوية مقابل ظاهرة «البويات» الخطيرة والحفلات الخاصة والستار أكاديمي. كما نجحنا في تمييز تلك الظواهر السلبية عن الإرهاب والمشاركة في العمليات الانتحارية وغيرها من عادات وتقاليد المجتمع التي تصب في مضمار حرية التعبير والاعتقاد.الحمد لله لهذه اللجنة التي أغنتنا عن حقوقنا الدستورية وألغت مؤسساتنا القانونية، وأراحتنا من استخدام عقولنا وأعفتنا عن تربية أبنائنا. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!