الزمان منفتح نحو الموت والشعر كذلك
(غابرييل مارسيل)كان الموت، يكاد يكون أمراً طبيعياً في تلك البلدة، الموت في حد ذاته لم يكُن أمراً مخيفاً، إن رؤية وجه رجل ميت أو امرأة ميتة يشبه القاء نظرةٍ عابرة في المرآة، لكنها حتماً نظرة حجرية.حسناً كان هذا في طفولتي، في اختبارات عفوية للموت في وجوه الآخرين، من دون أن أعي في تلك السن المبكرة، أن هذا الشيء اللعين سيختطف مني في ما بعد، أجمل زهرة في حياتي، لا بل واصدقاء جميلين او معارف بعضهم مر سريعاً كالشهب، هنا حدث الالم، انني اتحدث هنا لا عن الموت كفكرة فلسفية، بل كواقعة، كشيء محسوس، جسد هامد مُسجَّى امام ناظريك.لاحقاً، شيئاً فشيئاً ستتخذ فكرة الموت في ذهني مساراً متعرجاً مؤلماً في أغلب الأحيان، شفيفاً في الذكرى وفي الشعر.الأديان والفلسفات كلها تحدثت عن الموت بشكل او بآخر، وكان الشعر في صميم هذه التجربة، مازلت اتذكّر كيف كنا في سبعينات القرن المنصرم نتمعن في الطروحات الهيدجرية في الكتاب، او بالاحرى الكُتيِّب الذي وضعه الشاعر فؤاد رفقة:«الشعر والموت»، والذي اصدرته دار النهار للنشر عام 1973.كان هذا الكتاب في ذلك الوقت يعني لنا شيئاً كثيراً، افتح قوساً هنا لأشير الى أن فؤاد رفقة قدم موضوع أطروحته في ألمانيا عن «الجمالية عند هيدجر واوسكار بيكر»، ثم التقى مفكر «الوجود والزمن» في ما بعد في منزله بالغابة السوداء.للموت في الشعر والفكر والاساطير، مقاربات عديدة، مختلفة، متجاذبة، مساحة شاسعة عبر التاريخ الانساني، منذ موت انكيدو وبكاء جلجامش عليه، ثم البحث عن زهرة الخلود الضائعة، وصولاً الى الشعر العربي القديم، الرومانسيين الالمان، نوفاليس، إميلي ديكنسون، أليوت، جورج تراكل، ريلكه في مراثي دوينو، السياب، حاوي في أسطورة الموت والانبعاث، بول سيلان الذي اعتبر الموت:زهرة تزهر مرة واحدةلكن عندما يزهر لا يزهر إلا هو.ثم في تجربة أقسى:الموت استاذ من المانيا، عينه زرقاء.يصيبك بطلقة رصاصية، يصيبك بدقة.
توابل
الوجود الأصيل
06-05-2009