Ad

موظف في وزارة الإعلام، يحكم عليه قضاء وزارة العدل بالسجن، وينفذ الحكم فيسجن في سجون وزارة الداخلية ويمكث ستة أشهر، ومع ذلك لا تدري عن ذلك جهة عمله طوال هذه الفترة الطويلة كلها، إلا بالمصادفة المحضة.

نشرت «الآن» الإلكترونية منذ أيام خبرا عن موظف في وزارة الإعلام يتقاضى راتبه كاملا من دون نقصان وهو قابع في السجن منذ ستة أشهر، وأن الوزارة قد فتحت تحقيقا بعدما وجدت أن كشوف الحضور والانصراف تفيد بأن هناك من كان يقوم بالتوقيع بدلا عن هذا الموظف!

هذا الخبر، إن نحن تجاوزنا طرافته المؤسفة، وتغلبنا على نفوسنا التي تعودت فصارت تتقبل أي خبر من شاكلة هذا الخبر عن أداء وزارات الدولة وعما يجري فيها، سنكتشف بقليل من التبصر بأنه يرقى لأن يكون كارثة، بل فضيحة بدرجة خمس نجوم!

الخبر، إن صح، وأظنه كذلك، يحوي عدة مصائب معجون بعضها ببعض، سأكتفي منها باثنتين. أولاهما، أن الخبر كشف لنا كيف أن وزارات الدولة تعيش حالة شديدة من الانفصال عن بعضها بعضا، وكأنها جزر معزولة في محيط واسع لا تربطها جسور ولا وسائل عبور.

موظف في وزارة الإعلام، يحكم عليه قضاء وزارة العدل بالسجن، وينفذ الحكم فيسجن في سجون وزارة الداخلية ويمكث ستة أشهر، ومع ذلك لا تدري عن ذلك جهة عمله طوال هذه الفترة الطويلة كلها، إلا بالمصادفة المحضة. هذه لوحدها كارثة إدارية متكاملة الأركان تتدحرج بسببها رؤوس لو كانت حصلت في مكان آخر.

ثاني المصائب، أن وزارة الإعلام وعندما اكتشفت الأمر هرعت لتفحص كشوف الحضور والانصراف، وكأنها بذلك تحاول أن توجد لنفسها عذرا، أو بعض عذر، على عدم معرفتها بغياب الموظف طوال الفترة الماضية، وحين اكتشفت أن هناك من كان يقوم بالتوقيع نيابة عنه، صار همها التحقيق في كيف حدث هذا!

يا لها من مصيبة أن يكون مقياس وجود الموظف على رأس عمله هو توقيعه في كشف الحضور صباحا، وفي كشف الانصراف ظهرا. أي أنه لو افترضنا جدلا، أن موظفا جاء إلى العمل صباحا وقام بالتوقيع، ثم دخل إلى مكتب فارغ فنام حتى نهاية ساعات العمل، ثم قام بعدها ونقش توقيعه في كشف الانصراف، وذهب إلى أهله يتمطى، فهو يعتبر في عرف الدولة على رأس عمله، ويستحق راتبه لذلك كاملا. أي وبكلام آخر فلا علاقة للأمر بأداء الموظف ولا بإنتاجيته ولا بطبيعة عمله ولا بما قام ويقوم بإنجازه، وإنما مدار الحكاية حول توقيع الحضور والانصراف!

إن كان الأمر كذلك، فيا ترى كم من موظفي وزارة الإعلام، وغيرها من الوزارات، موجودين في كشوف الحضور والانصراف، بينما هم في الحقيقة نائمون في داخلها أو خارجها؟! كم من موظفي الدولة يتقاضون رواتبهم كاملة لأن أسماءهم موجودة في الكشوف، وهم يسيحون في مشارق الأرض ومغاربها؟!

إننا يا سادتي إزاء فضيحة إدارية صفراء فاقع لونها! وإزاء كارثة ثقيلة يستحق أن يُحاسب لأجلها كثير من المسؤولين، وأن يوضعوا في محل التحقيق... والاستجواب، ولو سكت عن الأمر من بيده الأمر بأي شكل من الأشكال، سواء من قريب أو بعيد، فسيكون مسؤولا ومشاركا في هذه الجريمة!