انهيار السدود والفوضى الجارفة

نشر في 11-03-2009
آخر تحديث 11-03-2009 | 00:00
 أحمد عيسى إن أي ليبرالي لا يملك أمام ما يحدث سوى أن يضع يده على قلبه على مستقبل البلد، فالنظام لم يقدم مشروعاً للدولة، وفضّل، بدلا من تقديم مشروعه، رعاية وحماية حلفائه من غيلان التيار الديني وبعض أبناء القبائل.

يتعمد السياسيون الدينيون في الكويت بين الحين والآخر التعدي على النظام الديمقراطي، بهدف تقديم نموذجهم الديني في إدارة الدولة كبديل للنظام الديمقراطي القائم، وهذا لم يكن ليحدث إلا بعد أن تنازلت لهم السلطة طواعية عن الإدارة، وعجز النظام عن تقديم مشروع دولة، ليعضد مشروع الشيخ عبدالله السالم.

النظام تخبط في إدارة الدولة، فعادى الليبراليين والمعارضة الوطنية، وتحالف مع الإخوان المسلمين ليشاركوا في حكومة الانقلاب الثاني على الدستور عام 1976، وتبنوا بعدها المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور، لتصبح الكويت دولة دينية بدلا من كونها دولة ديمقراطية، ليعمد عقبها إلى إفادة ورعاية النواب القبليين، فغرفوا من استثناءات الوزراء وقننوا المخالفات، واستباحوا المال العام، بما قدموه من قوانين تنفيعية بحتة، وسعوا إلى إيجاد تشريعات تناسب مقاس ناخبيهم على حساب القانون ودولة المؤسسات.

ونتيجة لذلك، انهارت السدود الواقية، وفاضت الساحة بالفوضى السياسية الجارفة، وغاب المنطق، فلبست المقترحات التنفيعية عباءة الدين، وتحولت اللجنة التشريعية في مجلس الأمة إلى لجنة «شرعية»، وأصبح مألوفا مشاركة رجال الدين في السياسة، ودخل أخيرا المفتون على الخط بفتاوى تُوائِم أو تعارض مقترحات سياسية، كإسقاط القروض وشراء أصل الدَّيْن، وجدولة ديون المواطنين، والصلاة على مساجد مقامة على أراض مغتصبة، مع العلم بأن هناك رجال دين سياسيين يرون أن أراضي الدولة لا يمكن اغتصابها، وكأنها أراض مشاع، في تصور وجودي شيوعي بحت!

إن من يقف في وجه رئيس مجلس الوزراء اليوم هم النواب الدينيون وبعض القبليين، وبالتراتبية الزمنية نجدهم الدكاترة فيصل المسلم، ناصر الصانع، جمعان الحربش، ومعهم عبدالعزيز الشايجي، ومحمد هايف الذي شارك سابقا في استجواب مع وليد الطبطبائي وعبدالله البرغش، وهذا يعني أن من رعاهم النظام طوال ثلاثين عاما مضت، هم من يدفعوننا اليوم إلى شفير الحل غير الدستوري، والتعطيل والتأزيم، وما يدعو فعلا إلى التأمل، أن المشهد غرائبي من طراز فريد.

وزاد من سوء الوضع أننا أمام حكومات ضعيفة تتخذ القرار وتتراجع عنه قبل أن يجف حبره، ولا تملك رؤية حتى لتسيير العاجل من الأمور، وانتقلت الفوضى للتاريخ، لنشهد خلال عشر سنوات خمسة مجالس أمة منتخبة، ما قلص العمر الافتراضي لكل فصل تشريعي إلى عامين بدلا من أربعة، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة أدت خمس حكومات اليمين الدستورية، أي أن العمر الافتراضي لكل حكومة في العصر السياسي الحديث للكويت أصبح سبعة شهور.

إن أي ليبرالي لا يملك أمام ما يحدث سوى أن يضع يده على قلبه على مستقبل البلد، فالنظام لم يقدم مشروعاً للدولة، وفضّل، بدلا من تقديم مشروعه، رعاية وحماية حلفائه من غيلان التيار الديني وبعض أبناء القبائل، الذين أوجدهم لضرب خصومه، من نواب اليسار والتوجه المعارض للحكومة، لينقلبوا عليه بعد أن اشتد ساعدهم.

الخطر على الكويت اليوم يأتي من الدينيين وبعض القبليين، لأن الليبراليين، رغم مخاصمتهم من قبل النظام، حموا المال العام، فأمموا النفط، وعززوا الحريات، وأضفوا عمقا على التجربة الديمقراطية الكويتية، والتفوا حول الدستور، ووسعوا دائرة المشاركة السياسية، من خلال إشراك المرأة وتقليص الدوائر الانتخابية، فهم قوم لا تعنيهم كثيراً مصالح ناخبيهم، لأنهم يعملون للكويت فقط، ونقطة على آخر السطر.

back to top