المواطن يمارس دور الدولة على المقيم: يجلبه إلى الكويت ويضعه تحت السيطرة و«يحافظ» على جوازه وعند حدوث خلاف يقول له اذهب إلى القضاء النزيه.

Ad

أليس من الغريب أن يخلو النشاط الأهلي من استغلال طاقات المقيمين، وهم ضعف عدد الكويتيين في خلق أجواء تواصل ايجابية، بعيدا عن قانون الهجرة ونظام الكفيل؟!

ما الطابع العام الذي يرسم علاقة المواطن الكويتي بشريحة المقيمين عموما، وهي شريحة يفوق تعدادها المليونين ونصف المليون نسمة

من مختلفي الجنسيات والديانات. هل هي علاقة مغلفة بالحذر، او عدم الرغبة في مد جسور اجتماعية، او الاكتفاء بعلاقات العمل... أم ماذا؟

تساؤلات عديدة يتحرج الطرفان في الاجابة الصريحة عنها احيانا، لكن اهمية مثل هذا الموضوع تأتي لكشف قصور كبير نحو تحريك جسور ايجابية تكسر الحواجز النفسية نحو الآخر سواء كان وراء تلك الحواجز ثقافات او انطباعات عامة او اسباب ناتجة عن احداث واقعية كالغزو العراقي لدولة الكويت.

يقيم بيننا ما يقارب الـ120 جنسية من بينها جنسيات أصبحت بحكم الواقع مقيمة لسنوات طويلة، وفي مقابل ذلك يفتقد المجتمع المدني الكويتي أي روابط أو قنوات تستوعب هذا الكم الهائل من البشر للاشتراك في خلق جهد تنموي مدني بعيدة عن علاقات الوظيفة والمكتب، ويعد من المنطقي التفكير في موضوع مثل هذا لاسباب عديدة، منها ان المجتمع الكويتي يعتمد على المقيم بشكل كبير لاستكمال احتياجات نموه، كما ان كلمة (مقيم) أو (اجنبي) أصبحت كلمة تساعد على تصلب الحواجز التي تستند في نهاية الامر على العلاقة القانونية (قانون الاقامة وقانون الهجرة).

وعليه فإن الامر يتطلب نظرة فاحصة لاي جهد منظم نحو تجسير العلاقة بين المواطن وهؤلاء المقيمين. وتقف العوائق القانونية والاجتماعية والثقافية والدينية عائقا امام الانفتاح بشكل واسع امام هذا الكم من ابناء الجاليات المختلفة على عكس المجتمعات الاكثر انفتاحا وتسامحا، والتي تذوب فيها الفوارق لتنتج نوعا من الانسجام الاجتماعي بين فئات مختلفة تساهم في التنوع والاختلاف الاجتماعي الايجابي. بل ان المشهد العام في الكويت ينبئ بتراجع في اشراك المقيم مع الكويتي في جهود التنمية، ويبرز في هذا المجال الغاء حق الصحافي غير الكويتي للتعبير عن رأيه من خلال التصويت لاختيار اعضاء مجلس ادارة جمعية الصحافيين التي تمثله في نهاية الامر، وذلك منذ عام 1995، وهو القرار الذي تبنته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وعمم على جميع جمعيات النفع العام!

الافتقار إلى قنوات التواصل

لا يوجد في الكويت اي جهد منظم لخلق تواصل اجتماعي وليس مهني بين الكويتيين والمقيمين، وحين اعلن اخيرا عن انشاء المركز الكويتي لحقوق الجاليات والذي يرأسه عمر العتيبي كان ذلك نقطة في بحر وخطوة في مشوار طويل، وان لم يعرف ما اذا كان هذا المركز قد اشهر رسميا، او ما هي خطته للتعامل مع هذا الملف، فإن كان الهدف هو الذود عن حقوق الجاليات فقط فهو ليس بذاك الجهد الذي سنحاول في هذا الملف التطرق اليه، وهو الرغبة في التواصل بعيدا عن القانون، والعلاقات التراتبية، والشغف بمعرفة تفاصيل الثقافات المختلفة التي تعيش على ارض الكويت. وربما كان هناك جهد -ويبدو انه انطفأ- في مشوار «التجسير» حين اعلن المحامي صلاح الهاشم في عام 2002 قيام جمعية الصداقة الكويتية- الدولية والتي وجهت باكورة اهتمامها الى ضحايا 11 سبتمبر، مع اهتمام اقل بفكرة تكريم مقيمين يتم اختيارهم وفق مواصفات. وبعد فكرة جمعية الصداقة، ساهمت جمعية الخريجين الكويتية بجهد في هذا المجال عندما قررت انشاء «لجنة التآخي مع الشعب العراقي» عام 2003 بهدف مساعدة واعانة المتضررين من الحرب والتواصل مع الشعب العراقي وترأسها جاسم القطامي.

ربما كانت تلك الجهود الاكثر ظهورا بسبب الضوء الاعلامي الذي سلط عليها وهي جهود تبقى في دوائر اهتمام محدودة.

أرقام

يعيش في الكويت 2.345.039 مليون مقيم من جنسيات وديانات مختلفة. وبحسب منظمة العمل العربية فإن العاملين المقيمين من جملة الرقم السابق يشكلون نحو 1.302 مليون نسمة ويشكل عدد العرب نسبة 30.95 في المئة، والآسيويون 65.36، والاوربيون 0.31، والاميركيون 0.15، وجنسيات اخرى 3.23 في المئة. وتغطي حركة هذا العدد الهائل من الناس بالنسبة الى دولة صغيرة كالكويت وباقتصاد محلي محدود الاستيعاب مقارنة بدول اخرى قانوني الهجرة وقانون اقامة الاجانب. وهذه هي العلاقة الوحيدة الاكثر وضوحا بين الكويتيين (كنظام ومؤسسات تنفيذية)، وبين المليونين ونصف المليون تقريبا من المقيمين.

والطريف في الامر ان تأفف فئة من الكويتيين (مثقفين او عامة) من الاعداد الهائلة من المقيمين الذين يعيشون بيننا يتم توظيفه سلبا تجاههم. ويأخذ ذلك اشكالا عديدة في التعاطي مع ملف العمالة على سبيل المثال. فالمقيم (او الاجنبي) هو الذي يسبب الزحام في الشوارع، ويطيل طابور الحصول على الخدمة الصحية بوقت قياسي، ويضغط على اجهزة الامن لملاحقة المجرمين منهم... وسلبيات اخرى كثيرة. وفي مقابل ذلك تجد الحوار والنقاش ضعيفا في اتجاه لوم نظام الكفيل الذي بموجبه (اي بموجب قانون اقامة الاجانب) تمنح السلطات المحلية ممارسة نوع من القوة (القانون) للمواطن الكويتي العادي او التاجر ان يجلب اي شخص من دولة اخرى الى الكويت، وربما تعرض هذا (الوافد) الى خدع وألاعيب بعدم تسليمه اي عمل، وهي اساليب معتمدة في ملف (الاتجار بالاقامات) وتعرف في الواقع بتجارة البشر ومصائرهم.

دعم قنوات أخذ الحقوق

يؤكد أحد المقيمين في حديثه إلى الجريدة ان المشكلة الاكثر ظهورا في حياة المقيم في الكويت النزعة العالية من العنصرية، والتي تفرز ما يسمى بالواسطة التي تبخس حق غير الكويتي في المخافر او جهات التحقيق او المحاكم. ويقول إن هذا الوضع مرده ضعف الدعم الذي يجب ان يبذل في اتجاه تسهيل وصول غير الكويتي الى الجهات العدلية والقانونية لنيل حقوقه المدنية والقانونية من دون سطوة من اي طرف، ويقترح في هذا الشأن دوائر مشورة قانونية اهلية او رسمية مجانية، خصوصا في قضايا الاقامات وتسلم الرواتب والإبعاد الاداري والقضائي.

ويضيف بالقول ان مثل هذا الوضع يؤدي الى اهتزاز الشعور بالامان ويجعل من العلاقة مع كل ما هو كويتي (مواطنون- انظمة- مؤسسات) خاضعة لآلية الكفيل والمكفول، وهو ما يستدعي النظر في استراتيجية جديدة للهجرة.

ويؤكد ان ممارسات جديدة بدأت تظهر على السطح في السنوات التي تلت تحرير البلاد من الغزو العراقي، وتمس كرامة المقيمين، ومنها منع ادوية معينة عن المقيم في المستشفيات الحكومية رغم وجود التأمين الصحي، ما يترتب عليه البحث عنها في الصيدليات التجارية، ويضاف الى ذلك القرار الصادر عن وزارة الداخلية والذي تم التراجع عنه لحسن الحظ، والذي يقضي بابعاد اي مقيم اذا تجاوز الاشارة الحمراء! ويضاف الى ذلك مسألة التمييز في المعاملة في مواجهة موجة الغلاء، فصحيح ان ابن البلد يجب ان يلقى رعاية اجتماعية جيدة ومجزية، لكن ذلك لا يعني ان يواجه المقيم موجة الغلاء التي يشتكي منها حتى الكويتيون رغم حصولهم على انواع عديدة من الدعم، هكذا ومن دون اي نوع من الغطاء. ويشير في هذا الصدد الى الزيادة التي طالت الجميع لمواجهة الغلاء وميزت بين المواطن (120) دينارا، والمقيم (50) دينارا رغم ان الغلاء واحد!

تناقضات في التشريع!

وتقوم الجهات الرسمية في كثير من الاحيان بإصدار تشريعات لمعالجة اوضاع سلبية، لكن تلك المعالجات لا تذهب مباشرة الى المتسبب في هذه الاوضاع. ونضرب على ذلك الامثلة التالية:

اولا: المطالبة باقرار براءة الذمة من اي فواتير للكهرباء يتحملها المقيم في عقار المالك الكويتي، وفي مقابل ذلك لا يقوم الجهاز الاداري التابع لوزارة الكهرباء بأي تطوير لعمليات التحصيل الشهري للجميع، كويتيون ومقيمون، بل الاكثر من ذلك التساهل مع الكويتيون في تأخير سداد فواتيرهم لسنوات.

ثانيا: معالجة موضوع اضرابات العمال لتحسين اوضاعهم المعيشية او استلام رواتبهم المتأخرة بتسفيرهم الى بلدانهم، رغم ان الموضوع الاساسي هو احقاق العدل عبر معاقبة اصحاب الشركات الكويتية.

ثالثا: اعتماد نسبة الـ10 في المئة لما يسمى بالاحلال للموظفين الاجانب لصالح الكويتيين، وهي سياسة ثبت فشلها جزئيا بالنسبة الى وظائف معينة سواء كانت رفيعة وتواجه ندرة منها بالنسبة الى الكويتيين، او تلك التي يستنكف الكويتيون العمل بها لـ«ثقافتهم الخاصة» ونظرتهم الى مفهوم الوظيفة. ومقابل ذلك يتم التغاضي عن الخلل في نظام التعليم التطبيقي، اذ تشير الاحصاءات الواردة في الخطة الخمسية للسنوات من 2001 - 2005 ان نسبة الطلبة المتسربين من كليات التعليم التطبيقي يبلغ 33 في المئة من الذكور والاناث، ويشكل هؤلاء ما نسبته 52 في المئة من المتسربين من الكليات العلمية. والسؤال لماذا يختصر مثل هذا الخلل في التوجه الى المقيم بشعار الاحلال مادامت المخرجات الكويتية تعاني خللا.

رابعا: حصلت قضية الاسرى والمرتهنين والشهداء الكويتيين وغير الكويتيين اهتماما كبيرا من الدولة، منذ الغزو العراقي، الا ان الاهتمام المبذول في قضية المفقودين في الكويت ابان التحرير وفي زمن الحكم العرفي لم يكن بالمستوى المطلوب، ولاتزال هذه القضية معلقة الى يومنا هذا، ولم تصدر الحكومة اي بيان رسمي حول مطالبات الصليب الاحمر بالكشف عن اسماء محددة في هذا الصدد!

خامسا: قوانين التوظيف لا تخلو هي الاخرى من تمييز كبير بين الكويتي وغير الكويتي سواء في منح العلاوات والترقيات والزيادات السنوية، والاخطر من ذلك هو في الشعور بالامان من الاقالة والاستغناء عن الموظف غير الكويتي، في حين ان الموظف الكويتي يشعر بحصانة حتى لو قصر في عمله في احيان كثيرة.

النهاية والمطلوب

لن نستغرق هنا في ضرب امثلة التمييز المختلفة، فالهدف هو في كشف طبيعة العلاقة التي تتميز بها صلة المواطن بغيره من الجنسيات، فهؤلاء مطالبون دائما بتطبيق شعار (الوفاء) من دون ان يعرف الكويتيون مفهوم هذه الكلمة، وما هو المطلوب ليكون المقيم وفياً لعمله او للشركة التي يعمل بها، او للمنزل الذي يخدم فيه ان كان من فئة العمالة المنزلية. ويبدو ان من بين الكم الكبير من الجاليات التي تعيش بيننا لم نستطع ان نكشف عن الفوائد الحقيقية لعناصر ايجابية كثيرة في حياتهم خصوصا على المستوى الاجتماعي والترابطي.

وينتهي الامر الى ان نسأل: من هو الاكثر انغلاقا نحن أم هم؟

الكويتي يدير حياة المقيم

تقول بعض الهيئات الاهلية الدعوية ان عشرات من غير المسلمين يدخلون الى الاسلام بإطلاق الشهادة في مراكزهم الرسمية، ويتم تصوير هؤلاء في «البروشورات» الاعلامية وقد احتضن داعية كويتي شهير احد الداخلين في الاسلام من فئة العمالة الفقيرة البائسة... والحياة «البائسة الفقيرة» ليست من مهام هذه الهيئات لانها معنية بتغيير دينه، اما حياته العملية فهي بيد الكفيل الكويتي الذي يكون دائما «مسلما».

حاكم دبي...

كلنا يتذكر الاحتفال الكبير الذي اقيم في دبي في ابريل 2006 برعاية الشيخ محمد بن راشد لتكريم عدد من العاملين في دوائر الامارة، وشمل التكريم مواطنين ومقيمين، وكان من بينهم عامل زراعة صعد على المسرح ليتلقى تكريمه من الحاكم لانه عمل طوال 28 سنة من دون تقصير.

دراسة

أثبتت دراسة اعدت من قبل الفدرالية الدولية لحقوق الانسان والمعهد العربي لحقوق الانسان ان هناك تمييزا واضحا بشأن اشراك غير المواطنين في تأسيس الجمعيات الاهلية بين كل من الكويت والبحرين واليمن، فبينما يحق لغير المواطن في البحرين المشاركة في تأسيس الجمعيات الاهلية، وكذلك في اليمن بشرط عدم المخالفة للقيم الاسلامية والدستور، فانه لا يحق لغير الكويتي ان يساهم في هذا النشاط في دولة الكويت.