كامب ديفيد... 30 عاما (4-4) أسئلة بلا إجابات؟!

نشر في 17-10-2008
آخر تحديث 17-10-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي «لقد دخلنا كامب ديفيد بسلام... ولكن كيف سنخرج منه؟» محمد إبراهيم كامل محدثا نفسه في أول ليلة للوفد المصري بالمنتجع (5 سبتمبر 1978)... ولن نتعرض للتفاصيل اليومية (رغم أهميتها لأنها تتطلب مساحة أكبر من المتاح) مع التأكيد على أن المحادثات لم تكن سهلة أو سلسة، بل كانت شاقة وعسيرة وتقلبت بين النجاح والفشل، وبين الغضب والتسامح، وبين التشبث بالمواقف والتنازل غير المبرر طوال 13 يوما إلى أن انتهت صباح الأحد 17/9 بحفل توقيع دعائي كبير في واشنطن.

وتلخيصا لمواقف الأطراف خلال المحادثات يقول وليم كوانت في كتاب «عملية السلام»: «كان موقف بيغين قويا بفضل استعداده للقبول بفشل المحادثات بينما كل من السادات وكارتر ملتزم بتحقيق نتيجة إيجابية. فلو انهارت المحادثات، فإن إسرائيل ستبقى في سيناء ولن يكسب السادات شيئا من مبادرته التاريخية. وبالنسبة لكارتر فقد أخبر السادات أن فشل المحادثات يعني عدم إعادة انتخابه»... لذلك استخدم بيغن التهديد بالانسحاب بمصداقية لانتزاع بعض التنازلات ونجح ببراعة في الاستخدام الاستراتيجي للوقت، فكان يدفع المفاوضات إلى حافة الانهيار بسبب قضايا ثانوية ليتجنب التعرض لضغوط بشأن المشاكل الرئيسية، وأخفى إلى اللحظة الأخيرة تنازلاته بشأن المستوطنات في سيناء وإعادة المطارات العسكرية الموجودة فيها إلى مصر.

وكان كارتر يعتقد أن النجاح هو التوصل إلى تفاهم تفصيلي بين بيغن والسادات بشأن سيناء عن طريق معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.

وبالنسبة للسادات، فكما ذكرنا كان واقعا تحت تأثير مبادرته للقدس وضرورة نجاحها وأن فشل المحادثات بمنزلة فشل للمبادرة... كما كان واقعا تحت ضغوط الرفض العربي، وقبل كل شيء كان أسيرا لنزعته الفردية في اتخاذ القرارات من دون الاعتماد على معاونيه وفريقه التفاوضي. وفي كتابه «عواصف الحرب والسلام» يقول محمد حسنين هيكل: «كان الوفد المصري كله تقريبا لا يعرف ما يجري حوله، وكان محمد إبراهيم كامل يشك طوال الوقت أن هناك شيئا يجري طبخه ولا يعرفه فهو يشم الرائحة ولا يرى المائدة».

أما بطرس غالي فيعلق في كتابه «طريق مصر إلى القدس» قائلا: «كانت مشكلتنا الرئيسية أسلوب السادات الذي أربكنا... فكلما التقى بيغن أو كارتر لم نكن نعرف على الإطلاق بما قاله بينما يطلع كارتر وبيغن وفريقهما على كل شيء قبل الاجتماع وبعده، وكان واضحا أن السادات يريد لمحادثات كامب ديفيد أن تنتهي بوثيقة دولية مهما كان الثمن»... ويقول أيضا «اجتمعنا مع السادات صباح السبت 16/9 (قبل بوم واحد من التوقيع) وتحدث معنا في موضوعات شتى بعيدا عن المفاوضات، وكأننا نحتسي القهوة في نادي الجزيرة! وكنت أرى أننا بمنزلة كم مهمل وأن علينا الانتظار لحين إعلان النتيجة النهائية».

وعن سير المفاوضات، يقول كوانت: «تقدم الرئيس السادات بالمشروع المصري في اليوم الأول خلافا لما تم الاتفاق عليه مع الوفد قبل السفر من ضرورة الانتظار إلى ما بعد معرفة المشروعين الإسرائيلي والأميركي. وكان المشروع المصري متشددا، ولكن العجيب الغريب أن السادات أخبر كارتر على انفراد أنه على استعداد لتقديم بعض التنازلات».

وبالطبع تم رفض المشروع المصري فور تقديمه ولم ينفذ السادات ما وعد به أمام مجلس الأمن القومي المصري وأنه في حال رفض المشروع فسينسحب فورا.

وكان السادات مؤمنا كذلك بحيادية كارتر وصداقته بالرغم من أنه خذله عندما عرض المشروع الأميركي على إسرائيل قبل مصر رغم سابق وعده للسادات بعكس ذلك، متحججا بوثيقة قدمها كيسنجر لإسرائيل في 1975 وكان إيمان السادات بكارتر غيبيا إلى درجة أن قال لمحمد إبراهيم كامل قبل ساعات من التوقيع «سوف أوقع على أي شيء يعده الرئيس كارتر دون قراءته»، وهو ما أورده كامل في كتابه «السلام الضائع».

إذا كان هذا هو مخاض الأطراف المختلفة خلال المحادثات فأي مولود يمكن انتظاره؟ وأي اتفاقيات تلك التي تأتي نتيجة لها؟ وعلى أي شيء تم التوقيع؟

كما هو معروف فقد تم التوقيع على وثيقتين الأولى إطار للسلام في الشرق الأوسط لم يكن لها أي قيمة أو نصيب من النجاح سوى ذكرها في ديباجة مشاريع السلام اللاحقة لكامب ديفيد، أما الوثيقة الثانية فكانت إطاراً للسلام بين مصر وإسرائيل انتهى إلى توقيع معاهدة السلام بينهما في مارس 1979، وسنكتفي- اختصارا- بنقطتين فقط من تلك المعاهدة المخيبة للآمال الأولى سياسية ونلتزم تعليق مصطفى خليل الذي تولى وزارة الخارجية وكذلك المفاوضات عن الجانب المصري بعد العودة من كامب ديفيد واستقالة محمد كامل حين قال: «إن النص على أسبقية هذه المعاهدة على ارتباطات كافة مصر الأخرى بما فيها ارتباطاتها العربية ليس في صالح مصر فالنص يؤكد لكل الدول العربية أن مصر عقدت اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل»... فلماذا كانت الموافقة؟ ولماذا كان التوقيع؟

وعسكريا فالمعاهدة تقيد حرية مصر في حجم قواتها داخل سيناء من خلال تحديد هذه القوات أفرادا وعتادا في المناطق (أ, وب، وج) ولمن يريد العودة إلى الخريطة العسكرية الملحقة بالمعاهدة (وهي خريطة نشرتها صحيفة «الأهرام» المصرية» عام 79)، وهذا التحديد يدحض بالكامل العبارة الشهيرة «سينا رجعت كاملة لينا»... أما إذا كانت عودة سيناء المشروطة سيادة كاملة في نظر بعضهم، فهل يعتبر اطلاق يد مصر في تحديد وتوزيع قواتها كما تشاء سيادة منقوصة؟ لا أدري.

وفي النهاية يتردد في أذني قول تاريخي شهير لزعيم مصري: «من أجل مصر وقعت المعاهدة ومن أجل مصر ألغي المعاهدة» تُرى هل يسمع أحد صوته؟!

back to top