إنفلونزا الخنازير ليست مخيفة جداً
للأسف، لاتزال هناك الكثير والكثير من البيوت والمدن القذرة التي تشكل موطنا نموذجيا للأوبئة في العديد من الدول النامية، لهذا السبب قد تفتك إنفلونزا الخنازير بآلاف الأرواح في الخارج، لكن هنا في كندا، ما من داع للذعر.
إن تفشّي سلالة جديدة من فيروس الإنفلونزا H1N1 الذي مصدره الخنازير ظاهرة مخيفة، لكن الرد السريع على هذا الانتشار يظهر أيضاً مدى تقدّم العالم منذ تفشي الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 التي أودت بحياة 100 مليون شخص.
تتراوح حصيلة الوفيات في الانتشار المحلي بين 8 و135 حالة، وذلك يعتمد على مدى مصداقية التقارير البيانية الأصلية الصادرة من المكسيك، ورغم أنه لا أحد يعلم عدد الأشخاص الذين سيموتون في النهاية قبل أن يأخذ الانتشار مجراه، نعتقد أن الحصيلة الإجمالية ستكون على الأقل أدنى بدرجة- أو على الأرجح اثنتين- من حيث الضخامة من عدد الوفيات في أنحاء العالم الذين يتراوح بين 250 ألفاً و500 ألف والذي تتسبب به كل عام عدوى الإنفلونزا العادية. فواقع أن الأطباء ومنظّمي الصحة بدؤوا بالحديث عن إنفلونزا الخنازير باطّلاع واسع هو بحد ذاته أعجوبة في علم الأوبئة الحديث وتكنولوجيا المعلومات. مع كتابة هذا المقال في نهاية أبريل، يكون قد مرّ 27 يوماً على أول حالة مؤّكدة لمريض أصيب بالعدوى في الثاني من أبريل- إدغار إنريكي هيرنانديز البالغ من العمر خمسة أعوام من لا غلوريا، المكسيك. بعد أسبوعين، انتقلت عيّنات الفيروس إلى المركز الأميركي لمكافحة الأمراض، الذي سارع في إطلاق نتائج كاملة عن الجينوم عبر المبادرة العالمية لتشاطر بيانات إنفلونزا الطيور. نعلم مسبقاً بأن إنفلونزا الخنازير تخضع لتأثير عقارين مضادين للفيروس على الأقل، «تاميفلو» و»ريلينزا». في هذا السياق، تقول إحدى شركات الأدوية التجارية إن لقاحاً قد يبصر النور في وقت قريب هذا الصيف. كان من المستحيل حتى قبل جيل من الزمن جمع مثل هذه الكمية الضخمة من المعلومات، ونقلها إلى كل حكومة وكل نظام صحي على كوكب الأرض، من دون ذكر فترة الحرب العالمية الأولى. ولاشك أن ذلك يسهم في إنقاذ الأرواح، إذ إن مسؤولي الصحة العامة من المكسيك إلى نيوزيلندا في حالة تأهب تجاه أي حالة مرضية. بحسب اعتقاد الخبراء في منظمة الصحة العالمية، فات أوان احتواء الإنفلونزا في منطقة المنشأ التي انطلقت منها، لذلك يجب قمع حالات الانتشار المحلية إلا في حال تبيّن أن سلالة الإنفلونزا الجديدة تنتقل بسهولة عبر الجو، وهو أمر غير مرجح نظراً إلى أن قرية لا غلوريا بحد ذاتها لم تشهد مذاك المزيد من الحالات الحديثة. كيف تنتقل عدوى إنفلونزا الخنازير إذن؟ تتكاثر سلالة فيروس H1N1 الجديدة عبر القاذورات. يشار إلى أن هذه السلالة مزيج يحمله الخنزير من إنفلونزا الطيور، والبشر، والخنازير. تنشط قرية لا غلوريا في تربية الخنازير وتضم البنية التحتية الجذابة لهذا القطاع مساحات شاسعة من أحواض السماد. (لا أحد يعلم بالضبط كيف انتقل المرض إلى إدغار الصغير، لكن يُعتقَد بأن للأمر علاقة بالذباب الذي يتغذى من البراز والذي يطير بأعداد كبيرة في القرية المكسيكية المسمّاة على نحو غير ملائم لحالها). لذلك فإن إبطاء عملية انتشار المرض يعني التقيّد بالقواعد الشائعة للحد من العدوى والتي تعلّمناها من أمهاتنا حين كنّا في الرابعة من عمرنا: غسل أيدينا، وتغطية وجوهنا عند العطاس، وتجنّب الاحتكاك غير الضروري بين الأصابع والأعين، والأنوف والأفواه. تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات البسيطة قد يكون لها أثر كبير في مجال تفادي الأوبئة. على غرار الكثير من الأنظمة الديناميكية اللاخطية، يتأثر انتشار المرض إلى حد كبير بالتغييرات البسيطة في المظاهر الرئيسة، وقد يكون لتدابير النظافة التي تقلل من احتمال انتشار مرض من شخص إلى آخر بنسبة صغيرة حتّى أثر كبير على نموذج الانتشار الإجمالي حين يتكرر خلال دورات عدوى متعددة. فضلاً عن ذلك، تنطلق كندا في حوالي عام 2009 من قاعدة الخوف من الاحتكاك بالقاذورات لتجنّب التقاط عدوى. قطع مجتمعنا شوطاً كبيراً منذ حقبة أجدادنا الذين عاشوا في زمن لم تُطَبَّق فيه عملياً «النظرية الجرثومية للمرض»، على الرغم من أنها كانت مفهومة على الورق. كانت المستشفيات في تلك الحقبة قذرة بالمعايير الحديثة، كما المدارس والمطاعم. وحتى المنازل في المدن، التي كانت تضم عادةً عدداً كبيراً من الأولاد في مساحات صغيرة، كانت قذرة مولّدةً مواطن للأمراض الفتاكة. للأسف، لايزال هذا الوصف الأخير ينطبق على دول نامية كثيرة، لهذا السبب قد تفتك إنفلونزا الخنازير بآلاف الأرواح في الخارج. لكن هنا في كندا، ما من داع للذعر. فعبر التقيد بقوانين النظافة الجوهرية، والتنبه إلى عوارض العدوى، يجب أن يتمكن مجتمعنا من مقاومة هذا الانتشار بأقل عدد من الوفيات والاضطرابات.