بعد أن هدأت ضوضاء الفعل وانفعالاته طوال الأسبوعين الماضيين هل يمكن النظر بهدوء وعقلانية إلى حقيقة ما حدث، والذي يمكن إيجازه وتحديده بأن «مواطنا عراقيا يعمل صحافيا ألقى بحذائه في اتجاه رئيس الولايات المتحدة أثناء مؤتمر صحفي، عقده الأخير مع رئيس وزراء العراق؟» هذا هو الفعل دون زيادة ولا نقصان، وإذا كانت القاعدة «الفيزيقية» تؤكد «أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار» فالقاعدة السياسية والإعلامية اختلفت كثيرا هنا، فكانت ردود الفعل أكبر بكثير من الفعل، إلا إذا نظرنا إلى الحدث من زاوية المفاجأة التي كانت بصدق كبيرة جدا أذهلت الكثيرين، فجاءت ردود الفعل كبيرة في حجمها متباينة في مواقفها، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

Ad

أولا: محاولة بعض الكتاب والصحافيين العرب المنتمين إلى أميركا فكراً وسياسة أن يكونوا «ملكيين أكثر من الملك»، إذ حاولوا الدفاع عن الولايات المتحدة ورئيسها أكثر مما قام به الإعلام الأميركي نفسه، فقاموا بالتهوين والتقليل من الحدث بدعوى أن إلقاء الحذاء لا يمثل إهانة في الثقافة الأميركية والغربية!! ومن كثرة ترديدهم تلك المقولة صدقوا أنفسهم وتوهموا أنهم خدعوا الجميع بذلك، والحقيقة غير ذلك، فإلقاء الحذاء في وجه شخص- ولو كان مواطنا عاديا- يمثل إهانة كبيرة، كما أن رفع القبعة يمثل تقديرا واحتراما في جميع الثقافات الشرقية والغربية، والرئيس بوش نفسه «ولأنه يدرك حجم الإهانة» حاول بسرعة التقليل منها بالادعاء أنها محاولة للفت النظر.

ثانيا: في نفس الاتجاه قام هؤلاء المستكتبون بمقارنة ما حدث بما تناقلته وكالات الأنباء سابقاً أثناء حرب العراق 2003 عندما قام مواطن عراقي بضرب صورة الرئيس المهزوم صدام بالحذاء، وحاولوا مساواة هذه بتلك، ولا أدري كيف؟! هل يمكن مساواة ضرب صورة لرئيس سابق مهزوم بإلقاء الحذاء في وجه رئيس حالي لأكبر دولة في العالم؟! إن صور بوش تمزق وتحرق وتضرب بالأحذية في جميع شوارع الشرق الأوسط، ولم يتحدث أحد عن إهانة، أما إلقاء الحذاء بصورة مباشرة على وجهه أثناء حديثه في مؤتمر صحفي فهذا أمر مختلف تماما.

ثالثا: من قام بإلقاء الحذاء هو مواطن عراقي يحب بلده، ويشعر بالذل والمهانة لاحتلاله، لذلك قام بما قام به في وجه المحتل تعبيراً عن غضبه، أما كونه يعمل صحافيا فانتماؤه إلى مهنته لم يلغ انتماءه إلى بلده وحبه له، ولكن الخطأ أنه استغل مهنته في الدخول إلى منطقة تمكنه من القيام بفعله، وإن كان هذا خطأه، ولا شك، فغيره صحافيون كثيرون يستغلون مهنتهم، ويسيئون إليها أكثر بكثير مما فعله، فإلقاء الحذاء أقل عيباً من بيع الأقلام الذي يجيده صحافيون كثيرون في عالمنا العربي.

رابعا: فرحة الشارع العربي العارمة بما حدث والتهليل له، إنما تعود في المقام الأول إلى حال الانكسار والذل التي يعيشها المواطن العربي مع حكامه العرب أنفسهم قبل غيرهم، وهي فرحة تخيلية كانت تتمنى وتتخيل وجود الحكام العرب مكان الرئيس بوش.

وختاما وتلخيصا للواقعة فقد عبر عنها الشاعر العربي القديم حين قال:

قوم إذا ضرب النعال وجوههم شكت النعال بأي ذنب أضرب

***

سؤال ساذج: هل يمكن لإسرائيل أن تعتدي على غزة دون الحصول على موافقة صريحة أو ضمنية من ثلاثة رؤساء دول عربية؟ من هؤلاء الرؤساء؟

إذا عرفت الحل... أرجوك لا تتصل بي.