الملف الضائع
مع بدء عودة «الحرارة» للعلاقات السورية الفرنسية، واستئناف الحديث عن إمكان توقيع اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية مع سورية قريبا، يحق لنا أن نتساءل، أين ستكون قضايا الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان من ذلك كله. خصوصا أن تجارب دول أخرى سبقتنا إلى توقيع اتفاقية الشراكة، لا تعد مشجعة في ما يتعلق بتلك القضايا، خصوصا أيضا، أن العلاقات الأوروبية قبل أن تسوء مع سورية خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تنعكس تحسنا على الصعيد الداخلي في أي من المجالات. عادة ما توجه الاتهامات إلى الولايات المتحدة بالتنكر لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكونها من الدول الأكثر ثباتا في دعم نظم الاستبداد العربية. بينما تتخفى أوروبا اللطيفة دائما وراء الشبح الأميركي في هذا الملف الإنساني.
هي ترغب أن تساعد لكن لا تعرف كيف! ترغب بصداقة الحكومات العربية وشعوبها، لكن تفضل الأولى على أي حال. تتمنى أن تساهم في مسيرة إطلاق الحريات والديمقراطية عربيا، لكنها تخشى من شبح التطرف والإرهاب. تفضل الدول الأوروبية الرئيسة مساعدة المجتمعات المدنية عبر تدريبها وتأهيلها لتستحق لقب المجتمع المدني. تهدر أموالا طائلة على المؤتمرات وورشات العمل وسواها، من غير أن تتساءل فيما إذا كانت الظروف السياسية لمواطني الدول المشاركين، تسمح لهم بتطبيق الحد الأدنى مما تعلموه وتدربوا عليه. تمدهم بالمهارات اللازمة، لكن لأشخاص ينشطون في فرنسا أو بلجيكا! هي تتذرع بعدم إمكان التأثير على تلك الحكومات في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتراهن على درب العلاقات الاقتصادية مع حكومات الاستبداد كسبيل لتحسين أوضاع الحريات. وفي المحصلة، لا يستفيد عادة من تلك العلاقات والاستثمارات والمشاريع، غير فئات بعينها، تحتكر المجال الاقتصادي كما السلطة. فضلا عما سبق، فإنها تواجه صعوبة أخرى في سورية، تتمثل في عجزها عن التعاون المباشر مع منظمات «المجتمع المدني» الناشئة، كونها غير مرخصة وتعمل خارج القانون. وهو ما يضعها في حرج دبلوماسي مع السلطات السورية من جهة، وتخوف من التسبب بمشاكل أمنية للنشطاء من جهة أخرى. داخل الاتحاد الأوروبي، تنفرد كل دولة بموقف مختلف عن الأخرى في ما يتعلق بهذه القضايا. ما بين التوجه نحو العزلة والمقاطعة السياسية، إلى الحوار الهادئ إلى التعاون في مجالات شتى، يغيب أي موقف موحد يمكن أن يشكل أساسا لعمل بعيد المدى في مجال دعم وترقية الحريات وحقوق الإنسان. لينحصر الدور الأوروبي في هذا الإطار بمتابعة الانتهاكات وإصدار بيانات تنديد في القليل من القضايا. وفي الواقع، فحتى قضية هذه البيانات، لا يندر أن يجري الاختلاف على قرار إصدارها في ما بين تلك الدول. ما سبق كله، يجعل من الخطوات القليلة للدول الأوروبية في دعم قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية، ذا تأثير آني وغير تراكمي إلى حد بعيد. ويدخل في هذا الإطار إصدار بيانات التنديد أو حضور ممثلي تلك الدول لمحاكمات معتقلي الرأي وسواها. ممثلو الدول الأوروبية الفاعلة، استطاعوا فرض أنفسهم خلال السنوات القليلة الماضية، كـ«مراقبين» لأوضاع حقوق الإنسان في سورية. وعلى الصعد الثقافية والخدمية والاقتصادية، لم تتوقف مشاريع الاتحاد الأوروبي وبرامجه بالتعاون مع الحكومة السورية. ومع بدء انفراج العزلة الدولية بما فيها الأوروبية عن سورية، تصبح هنالك مسؤولية على الاتحاد الأوروبي في إدراج قضية حقوق الإنسان والديمقراطية على أجندته بشكل جدي، في ما يخص تعامله وعلاقاته مع الطرف السوري. ونذكر هنا بتصويت البرلمان الأوروبي بشأن تقرير حول اتفاقية الشراكة مع سورية، التي جرى فيها التركيز بشكل أساسي على قضايا حقوق الإنسان، وفيها أكد البرلمان على أن «احترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات المدنية هو شرط أساسي، وأن على بند حقوق الإنسان في الاتفاقية أن يتضمن آلية مراقبة فعالة لهذه الغاية». لكن هل تصمد مثل هذه التوصيات أمام المصالح السياسية والاقتصادية المعقدة والمتشابكة؟ أم يبقى ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان مفقودا باستمرار من أدراج المتفاوضين من الطرفين؟ أو لعل السؤال الممكن طرحه بقليل من سوء النية، هو فيما إذا كانت أوروبا معنية فعلا بالمساعدة في مجال الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان عربيا. وما إذا كانت قادرة على الموازنة بين مصالحها المختلفة ومخاوفها مما يمكن أن تقود إليه من فوضى أو تطرف، التحولات الديمقراطية المأمولة، وبين ما تظهره من اهتمام بدعم مسيرة الإصلاح والديمقراطية. وهو ما يعطل أي دور حقيقي لها في المساهمة في عملية التحول الديمقراطي، ويكرس دورها إلى حد بعيد، ضمن جهود «رفع العتب» في أفضل الأحوال. * كاتبة سورية