Ad

منذ ثلاث سنوات والعالم كله يحاول إحراج المقاومة اللبنانية المسلحة بمفهومها العريض بكل أنواع الحيل والخداع والزيف و«قواعد البروتوكول» الدولي والإقليمي والمحلي، ليخرجها عن طورها بالحرب مرة وبالسلم مرة، ليفصل بينها وبين جمهورها العريض، ولتتخلى عن مطالبها العادلة بالمشاركة والعدالة والإصلاح والتغيير!

ثمة حكاية مصرية شهيرة يتداولها المناضلون المصريون في أدبيات مقاومتهم للإنكليز تقول:

عندما ذهب سعد زغلول إلى بريطانيا لمفاوضة الإنكليز طلب منه الوفد المرافق من جملة ما طلب، وهو يستعد للقاء الملكة بأن من قواعد البروتوكول الإنكليزي أن يقوم الزائر هنا بانحناءة احترام خاصة للتاج البريطاني، وهو يصافح المتربعة على العرش الامبراطوري العظيم. إذ هز الزعيم الوطني المصري رأسه من دون تعليق تنفست الحاشية المرافقة الصعداء ظناً منها أنها أنجزت كل ما عليها بخصوص الزيارة والمفاوضات من دون سهو أو نسيان أو خطأ، لكن المفاجأة كانت بحجم الزعيم الكبير عندما رأوه يسلم على الملكة باستقامة كاملة لجسمه من دون أن ينحني ولو بقدر ميلمتر واحد!

اضطربت الحاشية بالطبع وتحيرت العقول وتشوشت القاعة، ولكن كان ما كان إلى انتهت جلسة المفاوضات، فإذا بالمرافقين وأعضاء الوفد يتزاحمون للوصول إليه ليسألوه مستغربين مندهشين عن سبب إهماله هذه التفصيلة الصغيرة والبسيطة في البروتوكول، لكنها مهمة جداً، فقال لهم سعد زغلول: لقد حاولت إعمال القواعد المتبعة وتنفيذ ما أشرتم عليّ بتطبيقه إلا أنني شعرت بأن الـ22 مليون مصري الذين تركتهم ورائي يجرونني بقوة جبارة وعظيمة إلى الوراء، فلم أستطع مقاومتهم وكانت لهم الغلبة هنا أيضاً!

إنها قصة معبرة وبليغة جداً خلدها الزعيم الوطني المصري لتكون صالحة لكل ظرف وعصر!

منذ ثلاث سنوات والعالم كله يحاول إحراج المقاومة اللبنانية المسلحة بمفهومها العريض بكل أنواع الحيل والخداع والزيف و«قواعد البروتوكول» الدولي والإقليمي والمحلي، ليخرجها عن طورها بالحرب مرة وبالسلم مرة، ليفصل بينها وبين جمهورها العريض سواء الممتد على اتساع الـ10452 كيلومترا هي مساحة لبنان، أو على مدى الوطن العربي الكبير والإسلامي الأكبر من طنجة إلى جاكرتا، وذلك من خلال المؤامرات السياسية والضغوط النفسية الهائلة واغتيال الكوادر والأنصار، لعلها تتعب وتيأس فتتخلى عن مطالبها العادلة بالمشاركة والعدالة والإصلاح والتغيير! أو عبر فتنة الإيقاع بين أم الولد وأولادها من الطوائف والمذاهب والأطياف كلها لعلها تضطر إلى حرف بندقيتها المقاتلة باتجاه الداخل بذريعة ضرورة تعديل ميزان القوى السياسية مهما كلف الأمر، ولو بالقوة كما كان يخطط له، مما كان سيؤدي إلى فتنة كريهة ومقيتة تشبه تلك التي نشهدها في العراق منذ خمس سنوات على خلفية وذريعة رفع الحيف والظلم عن بعض الفئات ولكن على يد الأجنبي المحتل والدخيل!

لكن المقاومة اللبنانية الإسلامية التابعة لـ«حزب الله» ومعها شريحة واسعة من الشعب اللبناني المنضوية تحت إطار ما يعرف بالمعارضة الوطنية كانت واعية لخطورة ما كان يخطط للبنان ولها، لذلك فإنها كما قاتلت العدو الخارجي بكل صلابة وتفان وتضحية لا نظير لها، فإنها صبرت على الداخل بكل تأن وحكمة وصلابة على الموقف أيضاً، وكظمت غيظها طويلاً ولم تنجر إلى أزقة و«زواريب» الداخل اللبناني الآسنة والملوثة بأطماع السلطة والجاه والأنا القاتلة!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني