شيشة نفطية
في نقاش مثير مع أحد الأصدقاء قبل أيام حول مستقبل الطاقة وصناعة النفط في المنطقة، حدثني صديقي عن نظرية «Peak point of Oil» أو «ذروة الإنتاج النفطي» والتي ترى -كما يقول اسمها- أن هناك نقطة يصل إليها إنتاج الطاقة النفطية ليبلغ الذروة، ثم يعود بعدها إلى الانخفاض التدريجي حتى النضوب، وهي مرحلة قد نكون دخلنا فيها فعلاً كدولة مصدرة للنفط، حسب بعض الآراء. ولكن بغض النظر عن نظرية الذروة، التي يدور حولها الكثير من الجدل في الأوساط النفطية، فلا يمكننا أن ننكر أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط من شأنه أن يؤدي حتماً إلى الاستغناء عنه، واللجوء إلى طاقات أخرى بديلة. وما أقوله في هذا المقال قد يبدو كلاماً مكرراً، إلا أن ما أهدف إليه هو التحرك من مرحلة «الكلام» إلى العمل، فقضية اعتماد البلاد على مصدر وحيد للدخل تطرق إليها العديد من أصحاب القرار، نواباً ووزراء وغيرهم، ولم يعمل لأجلها أحد، ونحن إذ نقف اليوم على أعتاب ما قد يكون عصر الطاقة الجديد، يجب علينا -أكثر من غيرنا- أن نلتفت بجدية إلى هذا الأمر، وأن يشكل موضوع إنهاء اعتمادنا على إنتاج النفط مشروعاً وطنياً للجميع. إن الدول المستهلكة للنفط اليوم تعاني أخطاراً اقتصادية مزدوجة من جراء ارتفاع أسعار النفط، سواء في التضخم الذي يدق أبواب بلدان العالم كافة، والمرتبط إلى حد كبير بتنامي استهلاك الطاقة من قبل الهند والصين، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بل إن هذا الارتفاع لم يضرب الشركات فحسب، وإنما يطرح موضوع الطاقة نفسه كإحدى القضايا الرئيسية في سباق الرئاسة بالولايات المتحدة، إذ باتت أسعار النفط تؤثر على المواطن البسيط، ليس بالتضخم الذي شمل المواد الاستهلاكية، بل وصل حتى إلى وقود سيارته، وحسب آخر الأرقام فإن بعض الولايات يبلغ فيها تزويد سيارات الدفع الرباعي بالوقود مئة دولار، وهي أرقام غير مسبوقة في الولايات المتحدة. وتتنوع الآراء في الولايات المتحدة بشأن طريقة التعاطي مع أزمة ارتفاع أسعار النفط، فيرى الجمهوريون ضرورة قيام الولايات المتحدة بحفر الآبار قبالة السواحل لاستخراج المزيد من النفط، بينما يرى الديمقراطيون ضرورة أن تتجه الولايات المتحدة إلى تشجيع قيام طاقات بديلة تعتمد على الرياح والشمس، وما إلى ذلك. ونرى في الحل الجمهوري تكريساً لمشكلة اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط، بينما يذهب الحل الديمقراطي إلى ضرورة الخروج من عباءة الاعتماد على النفط. هذه المؤشرات قد تدفعنا ككويتيين إلى «تشجيع» المرشح الجمهوري ماكين، حتى لا تنقطع أرزاقنا، إلا أن الواقع يفرض علينا ألا نعتمد لا على ماكين ولا على أوباما، فالاعتمادات المستقبلية للطاقة تحددها الشركات وفقاً لاقتصادات السوق، ولا يحددها السياسيون، وإن أرادوا ذلك. ولهذا، نرى الشركات الأميركية المصنعة للسيارات مثلاً تتجه نحو إنتاج سيارات المستقبل ذات الاعتماد القليل على الوقود الهجين (هايبرد) والتي تلقى رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة، مما يعني أنه حتى لو نجح ماكين في حفر الآبار قبالة السواحل الأميركية، والذي لن نرى له أثراً إلا بعد عشر سنوات من انتخاب الرئيس الجديد، فإن هذه الآبار سـ«تطيح بجبده»، إذ لن ترى من يشتري نفطها وسط الطلب المتضائل على النفط بسبب استثمارات الطاقة البديلة. وللتدليل على ذلك، نشرت مجلة «الإيكونوميست» الأسبوع الماضي دراسة تشير إلى تعاظم الاستثمارات في الطاقة البديلة على مدى السنوات الأربع الماضية، إذ كانت تقدر بنحو 35 مليار دولار عام 2004، بينما بلغت العام الماضي 150 مليار دولار، وهو نمو مخيف يشير إلى اتجاه حتمي نحو الطاقة البديلة.
إذا ما وضعنا هذه الاتجاهات العالمية في الاتجاه بعيداً عن النفط، مع ما يثار في البلاد بشأن الأرقام الحقيقية للاحتياطي النفطي، وإن كان فعلاً بالحجم المصرح به، فإننا نرى أنفسنا أمام معضلة حقيقية، بل أمام مصيبة، إذا لم نتحرك ونحرر الدولة من الاعتماد على النفط وحده، فنحن الآن -كما قال صديقي- بين قطارين متجهين نحو بعضهما بسرعة مخيفة، أحدهما يمثل الطاقة البديلة التي ستخسف بأسعار النفط واعتماد العالم عليه، والآخر حقيقة أرقام الاحتياطات النفطية. صحيح، قد يبقى نفطنا لمئة سنة أخرى، كما تدّعي الحكومة، تماما كما بقي الفحم -مصدر الطاقة الرئيسي قبل النفط- في دول كالبرازيل والصين وأميركا والهند، ولكن هل سيكون النفط، المصدر الثاني للطاقة بعد إيجاد طاقات بديلة، بالسعر الذي يمكّن بلداً كالكويت من العمل بالطريقة الحالية؟ خصوصاً مع الكرم «الحاتمي» في توزيع الكوادر والعلاوات ودعم السلع الاستهلاكية والإنشائية. الدول المصدرة للفحم انتهى بها الفحم ليكون على «راس شيشة» في مقاهي بلاد النفط، فكيف سينتهي بنا النفط إن لم نتدارك الأمر؟!