حديقة الإنسان: خط بين نقطتين

نشر في 08-05-2009
آخر تحديث 08-05-2009 | 00:00
 أحمد مطر إن مؤشر التمايز بين الناس هو الإيمان بالفعل والإصرار على تحقيقه، وإذا كان لنا أن نندب سوء أوضاعنا وتخلفنا عن الآخرين، فينبغي أن ندرك أنّ ليس مرد ذلك إلى كوننا فقراء في المواهب والطاقات، ولكن لكون الآخرين أطول منا نفسا، وأكثر صبرا، وأكبر قدرة على التحدي والمواصلة.

كل الإنجازات الباهرة في الدنيا كانت وراءها أفكار صغيرة، ومن الطبيعي أن يحتاج تنفيذها وإرساؤها على أرض الواقع إلى الفطنة والموهبة والجهد، لكن كل هذه الأشياء لا تشفع للمرء في تحقيق أدنى النجاح إذا لم يكن مؤمنا بما يفعل، ومتدرعا بالإصرار وعدم التسليم بالفشل مهما طالت التجربة، ومهما كانت المعوقات.

إن هذا هو مؤشر التمايز بين الناس، وإذا كان لنا أن نندب سوء أوضاعنا وتخلفنا عن الآخرين، فينبغي أن ندرك أنّ ليس مرد ذلك إلى كوننا فقراء في المواهب والطاقات، ولكن لكون الآخرين أطول منا نفسا، وأكثر صبرا، وأكبر قدرة على التحدي والمواصلة.

إننا نتناقل جيلا بعد جيل، حكاية القائد المغلوب الذي ألهمته النملة بإصرارها على نقل كسرة خبز ثقيلة ونجاحها بعد طول الجهد والمحاولة، أن يجمع فلول جيشه المهزوم وينتصر في النهاية.

لكن الحكاية تبقى معنا مجرد طرفة نزجي بها ليالي السمر، فيما هي عند الآخرين تجربة حية وحثيثة على أرض الواقع.

كذلك كانت تلك الحكاية بالنسبة للصبي (جيمس وات) الذي رأى غطاء إبريق الشاي يرتفع عاليا بتأثير تصاعد البخار، فكان أن اخترع المحرك البخاري الحديث، وكذلك كانت بالنسبة لبائع الصحف الصغير (توماس أديسون) الذي أضاء لنا ليلنا باختراعه المصباح، لكي نقطعه بالسمر وترديد حكاية القائد المغلوب والنملة، مضيفين إليها وإلى الآلاف غيرها حكايته وحكاية صاحبه (وات) أيضا.

منذ زمن بعيد كان في مدينة كنساس الأميركية شاب صغير مولع بالرسم، لم يترك جريدة إلا وتقدم إليها محاولا بيع رسومه الكاريكاتيرية، لكن المحررين جميعا جابهوه بالبرود، بل بالرفض القاطع، مصرحين له بغلاظة بأنه عديم الموهبة وأن عليه أن ينسى تماما أمر الاشتغال في هذا المجال.

لكن ذلك لم يثبط الشاب، بل راح يواصل الرسم والبحث عن أي فرصة متاحة لاستثمار إمكاناته.

وفي النهاية عرض عليه أحد القساوسة أن يرسم للكنيسة إعلاناتها في المناسبات لقاء أجر زهيد، لكن الشاب الغر أعرب عن حاجته إلى مرسم.. وهو في الواقع كان بحاجة إليه لا للرسم فقط بل للنوم أيضا، إذ لم يكن لديه مكان يأوى إليه!

وقد كان لدى الكنيسة مرآب مهمل تزحمه الفئران فأشار القس على الشاب أن يقيم فيه لكن... من يصدق أن واحدا من تلك الفئران سيصبح في وقت لاحق أشهر فأر في التاريخ، وأن ذلك الشاب سيصبح واحدا من أشهر الفنانين في العالم؟!

ذلك الفأر معروف الآن لدى الملايين حول العالم باسم (ميكي ماوس)، أما الشاب فهو (والت ديزني).

وتلك حكاية أخرى تضاف إلى غيرها من المسامرات الليلية... وحظنا منها أن نسمعها بانبهار وإعجاب، ولا شيء غير ذلك، لأن نظرتنا إليها ستظل مقتصرة على نقطتي البدء والنهاية وحدهما، أما حظ الآخرين فهو السير الواقعي على الخط المتعرج الطويل القائم بينهما: خط الإيمان بالفكرة والثقة بالنفس والتجربة الدائبة والجهد الحثيث لتذليل العقبات والإصرار على النجاح وعدم الاعتراف بالفشل على الرغم من تكرره.

* شاعر عراقي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top