دبي، ليست مدينة فاضلة... وليست مدينة «اللا أخطاء»، واللا سيئات، واللا إخفاقات، واللا تلكؤات أو عثرات... وقادتها كذلك ليسوا ملائكة! لكنها أيضا ليست مجرد مدينة من حديد وكونكريت وزجاج وأسلاك. دبي ليست مدينة حضارة مادية زائفة قامت لتسحق إنسانية الإنسان وآدميته فتجعل منه مجرد ترس أو شريحة في آلة ميكانيكية عجماء عديمة الروح.

Ad

نعم، لعلها كانت كذلك في البدايات حين استغرقت في الدوران المحموم في دولاب البناء الاسمنتي، وفي تمديد أسلاك التقنية والاتصالات الحديثة، وفتح الأبواب مشرعة للسائحين من كل حدب وصوب، على حساب أهل دبي أنفسهم، ولعل من انتقدوا آنذاك كانوا على حق، ولكن أن نجد من لايزال حتى الساعة أسيراً للفكرة ذاتها، لهو دليل على أن الكثير يهرفون بما لا يعرفون وأنهم لا يتابعون ما يجري في دبي!

قبل أن أسترسل لابد لي أن أقول إن دبي ليست بحاجة إلى مَن يدافع عن تجربتها، فنجاحاتها على الأرض وهي تتصل بعضها بعضاً، تدافع عن نفسها، لكن المراد لفت الانتباه إلى مَن يريد أن يستفيد من تجربة بشرية رائدة أثبتت نفسها رغم التحديات ومقولات المشككين كلها.

محور التنمية في أي بلد هو الفرد، وكل تنمية لا تهدف إلى الوصول إلى خدمته والارتقاء به وتلبية حاجاته على صعدها المختلفة، تنمية عليلة، ودبي أدركت ذلك منذ زمن. وحين أقول إن دبي أدركت ذلك، فأنا أقول إن حاكمها محمد بن راشد أدرك ذلك، وحين أقول إن محمد بن راشد أدرك ذلك، فأنا أقول إن كل فريق العاملين معه، على مختلف مراتبهم، يدركون ذلك وبشكل عميق يتجاوز التصور. ما لمسته عن كثب هو أن كل مؤسسة حكومية في دبي مطلوب منها أن تعرف وعلى وجه الدقة موقعها ودورها في تنفيذ خطة دبي الاستراتيجية التي تناولت الجوانب كلها، التي يفترض أن توجد في الخطط التنموية للدول المتقدمة.

عندما يكون في الخطة الاستراتيجية لبلد ما، وبشكل أساسي يشكل عمودَه الفقري برنامجٌ للتنمية الصحية والارتقاء بالخدمات الطبية، وبرنامج لتطوير قوانين الخدمة المدنية، وتنمية الكوادر البشرية بالتركيز على الجدارة والاستحقاق وتأهيل قيادات الصف الثاني عبر برامج لإعداد القادة، وبرنامج لرفع كفاءة وفاعلية الأجهزة الحكومية للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة عبرها، حتى صارت تنافس شركات القطاع الخاص، وبرنامج للتنمية الاجتماعية ولدعم بسيطي الدخل. وعندما يراجع بلد ما سلم رواتب موظفيه بشكل دوري علمي مدروس، ويطلق برنامجاً للخيرات بضخامة برنامج دبي العطاء، وبرنامجاً للتنمية الإنسانية على مستوى المنطقة، وبرنامجاً لدعم مشاريع الشباب، وعندما يعنى بالعلوم والفنون والأدب فينشئ متحف الشرق الأوسط للفن، ويطلق 25 مشروعاً علمياً ثقافياً تعليمياً ضخماً بريادة عربية وعالمية لم يسبق لها مثيل في مجالات الترجمة والبحث العلمي والتأليف والنشر، وعندما يطلق برنامجاً خاصاً للحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الطاقة والموارد وصولاً إلى الاستفادة من الطاقة النووية، عندما يحصل هذا كله وأكثر لأجل الإنسان الذي هو أساس التنمية، في بلد يعرف عنه أنه بلد إنجازات حقيقية ترتبط ببرامج زمنية واضحة ومحددة وتجري متابعتها متابعة لصيقة من رأس الهرم وأعلى المستويات، حينها سنجد أننا أمام بلد أكثر بكثير من أن يكون مجرد بلد من حديد وكونكريت وزجاج وأسلاك كما يقول بعضهم!

نعم، قد لايزال لدبي الكثير من الأمور التي تحتاج إلى الانتباه والعلاج، ولاتزال هناك مواطن خلل، وسيكون هناك مثلها في المستقبل، لأن هذه هي الطبيعة البشرية القاصرة، ودبي في النهاية ليست «شانغريللا» الجنة الخيالية التي وصفها جيمس هيلتون في «الأفق المفقود»، لكنها بلد تسير اليوم وبخطوات ثابتة متسارعة على طريق التقدم في المناحي كلها، بلد يعرف كيف يصحح أخطاءه ويتجاوزها، ويبني على نجاحاته ويستثمرها، حتى صار نجماً ينظر إليه الآخرون من بعيد ويسيرون على هداه!