راجت بشكل واسع خلال الأيام القليلة الماضية شائعات قوية تتحدث عما يسمى «الحل غير الدستوري» لمجلس الأمة كمخرج للأزمة السياسية الراهنة التي حدثت إثر تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء من قبل ثلاثة من أعضاء المجلس. وقد كتب بعض دعاة الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي القدماء منهم والجدد يبشرون بما يسمونه «الحل غير الدستوري» لمجلس الأمة ويدعمون التوجه لتعليق بعض مواد الدستور، فهل هنالك شيء اسمه «حل غير دستوري»، وهل من الممكن دستورياً تعليق بعض مواد الدستور؟

Ad

في الواقع، إنه ليس هنالك شيء من هذا القبيل، فالدستور ينص على حق صاحب السمو الأمير في حل مجلس الأمة حلاً دستورياً ضمن شروط معينة بينها الدستور نفسه على أن يدعو للانتخابات العامة خلال شهرين من تاريخ الحل «فإذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن» المادة (107).

وليس هنالك في الدستور «حل غير دستوري»، وكونهم يقولون «غير» دستوري، إذن خارج إطار الدستور أي نقض ونسف للعقد الاجتماعي الذي توافق عليه وأقره الكويتيون كافة لإرساء أسس الدولة الكويتية الحديثة ذات المرجعية والشرعية الدستورية. وما يروج له بعضهم من «حل غير دستوري» لمجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور هو في حقيقة الأمر دعوة سافرة للانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي الذي تبينه المادة (6) من الدستور: «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور».

وغني عن البيان أن نظام الحكم الديمقراطي بما يتضمنه من شرعية دستورية هو الذي اعتمدت عليه قوات التحالف الدولي في تحرير الكويت، وهو التي وفر لنا جميعا وسائل الأمن والحرية والاستقرار والاطمئنان في بلدنا الطيب. لهذا فإن الدعوات السافرة لما يسمى الحل غير الدستوري هي محاولات لزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في مجتمعنا الآمن لأن الصراع في حالة الانقلاب على الدستور، الذي لا نتمناه، سيكون بين السلطة والمواطنين بدلا من أن يكون الصراع، كما هو الآن، بين السلطات الدستورية ضمن نصوص وقواعد دستورية واضحة وحضارية.

ومن المستغرب حقا أنه بمجرد استخدام بعض أعضاء مجلس الأمة لحقوقهم الدستورية، التي قد نتفق أو نختلف مع الكيفية التي يستخدمون فيها هذه الحقوق أو التوقيت الذي يختارونه لممارستها، حتى تتعالى الدعوات المشبوهة لما يسمى الحل «غير الدستوري» الذي يعني، وبصريح العبارة، الدعوة إلى الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي.

هذا الانقلاب، فيما لو تم، لا سمح الله، سيؤدي حتما إلى صراع سياسي مختلف يجري خارج الأطر الدستورية في ظل معطيات إقليمية ودولية مضطربة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار، بعكس ما تروج له وسائل الإعلام المغرضة والرخيصة والمأجورة، أن هنالك رفضا شعبيا واسعا للانقلاب على الدستور عبرت عنه مواقف القوى والتكتلات السياسية كافة، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والاتحادات الطلابية الشبابية ممثلة بالاتحاد الوطني لطلبة الكويت وأفرعه الخارجية، والاتحادات العمالية أيضا، فإنه من السهل لأي متابع موضوعي التنبؤ بطبيعة الصراع السياسي القادم، وشكل اصطفاف القوى والتيارات السياسية والشعبية، وكيفية التحرك الشعبي الذي سيتبلور وستنقله على الهواء مباشرة القنوات الفضائية والمنتديات والمدونات والمواقع الإلكترونية ووسائل الاتصالات الحديثة، فيما لو نجحت حملة دعاة الانقلاب على الدستور. وهذا ما لا يتمناه كل وطني مخلص وقطعا لا يستحقه وطننا الغالي.