في ظل هذا التردي البليغ الذي يكاد يكون أصاب كل المناحي في بلادنا المسكينة، خصوصا تلك المرتبطة بالعجلة الرسمية ومؤسسات الدولة المختلفة، تضاء شموع هنا وهناك. شموع بعضها خافت النور وبعضها بنور أكثر سطوعاً، إلا أنها تشكل في المجمل ذلك النور والهدى الباقي لنا في هذا الظلام الحالك، والذي نأمل أن يقودنا إلى المخرج من هذا النفق الطويل.

Ad

في دول العالم، تلك التي نجحت فيها التنمية، يشكل الدور الحكومي النسبة الأصغر في تدوير العجلة التنموية، ولذلك يناط الدور الأكبر بالمجهودات المدنية الشعبية، فحين نرى مثل هذا يحصل عندنا اليوم، فالأصح ألا نراه بعين الاستغراب بل بعين التفاؤل إلى أننا نتجه نحو تصحيح الأوضاع.

إن الشعب في المجتمعات الصحية السليمة وفعالياته الحرة عبر مؤسسات المجتمع المدني والجماعات المدنية المختلفة، وعبر قيام القطاع الخاص بدوره في جانب المسؤولية المجتمعية، هو الماكينة الحقيقية لحراك المجتمع وتطوره.

أمامي نماذج مختلفة قد لا يجمعها رابط، وهي لا تشكل في حقيقة الأمر سوى جزء بسيط من واقع النشاطات الشعبية غير الرسمية التي تجري عندنا، إلا أنني وجدت أن من المفيد استذكارها من باب الإشادة والدعم والتأييد، ومن باب حث الآخرين على التفاعل معها والمشاركة فيها والتمثل فيها وتقليدها وربما التفوق عليها في تجارب إيجابية أخرى.

أول النماذج الرائعة هو مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري، تلك المؤسسة الرائدة التي تجاوزت عالم الشعر بمراحل، حيث أضحت مؤسسة أكاديمية ثقافية كبرى تنشط في مختلف المجالات، حتى غدت مفخرة للكويت والخليج، بل العالم العربي بأسره. هذه التجربة الرائعة جديرة بكل الإشادة والتقدير.

ثاني النماذج الرائعة هو مهرجان محمد عبد المحسن الخرافي للإبداع المسرحي الذي ينعقد هذه الأيام، فهذا النشاط الجميل قد ساهم بشكل ملحوظ في دفع عجلة العمل المسرحي إلى الأعلى، بل أدى إلى دفع المؤسسات الرسمية المرتبطة بهذا الشأن إلى الارتقاء بنشاطاتها لموازاته ومواكبته، فهناك أكثر من نشاط وجائزة تحت اسم الراحل محمد عبد المحسن الخرافي رحمه الله، وكلها نشاطات مميزة تستحق الثناء.

النموذج الثالث الرائع، وهو مغاير للسابقين، هو مجموعة صوت الكويت وهي مجموعة شعبية مستقلة غير مرتبطة بأي تيار سياسي، تهدف إلى التوعية بالحقوق الدستورية للمواطن ومفهوم الحرية الشخصية، وذلك عن طريق فتح باب الحوار الحر بين الكويتيين عبر أنشطة واجتماعات وندوات تثقيفية ودية. هذه المجموعة الشابة حديثة العهد الجديدة على الساحة برزت خلال الفترة السابقة بأنشطة متنوعة، تستحق الإشادة والدعم والتشجيع.

النموذج الجميل الرابع هو مجموعة أخرى اسمها الكويت للحياة، وهي مجموعة تؤمن بأن للحياة الطيبة وجهان، كما يقول موقعها على الإنترنت: الصحة والثقافة، وألا شيء أحسن من اجتماع وتواصل الأشخاص المهتمين بالاثنين للاستمتاع بأرقى الأنشطة ولخدمة المجتمع في نفس الوقت. هذه المجموعة قامت كذلك بعدة أنشطة بديعة خلال الفترة الماضية.

تحية صادقة لكل من يقفون خلف هذه الأنشطة المشرقة التي تشكل أقمارا ونجوما منيرة، وأرجو المعذرة من كل من لم تسعفني الذاكرة أو المساحة للحديث عنهم، مع صادق التمنيات لجميع الصادقين المخلصين بالنجاح، وحقا كم هو جميل أن يكرس الإنسان حياته لأجل هذا الوطن الغالي.