أنا مَن كنت أرفض تصديق ما يقال عن تلك التفرقة التي تمارس ضدنا أبناء القبائل وأدعو إلى نبذ هذه الأفكار، وقد أصبحت أخشى أن أجد نفسي في يوم من الأيام، لأي سبب، في ذات الموقف القاسي ونفس التفرقة الفاحشة، لمجرد أني بدوي ابن قبيلة من المناطق الخارجية؟!

Ad

منذ أن قرأت في الصحف ما كشف عنه د. ضيف الله بورمية، مرشح الدائرة الرابعة، منذ أيام في ندوته، وأنا أشعر بكلمات هذا المقال تسري في تلافيف دماغي وشراييني كالنار، تريد أن تجد طريقها للنشر، وغريب جداً أنه لا أحد من الكتّاب والناشطين وقف عند نفس الزاوية المظلمة التي أمسكت بأنفاسي!

وكم أود ألا أصدق ما جاء على لسان د. بورمية، لكنني بالرغم من ذلك لا أملك إلا التصديق، فأن يمتلك شخص ما الجرأة لقول ما قاله د. بورمية أمام الناس والصحافة والفضائيات بلا تردد ولا خوف من محاسبة، هو شخص لا يقول إلا الحقيقة في غالب ظني!

ما صرح به د. بورمية حول ملابسات اعتقاله أمر بالغ الخطورة، فما الرسالة التي يمكن أن تصل إلى الناس من أنه قد تم التحقيق معه معصوب العينين وحُبس بعدها في غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها المترين في مترين، في حين جرى التحقيق مع السيد خليفة الخرافي الذي كان معتقلا في المكان والوقت نفسيهما دون عصابة للعين ليحبس بعدها في غرفة VIP مزوداً بوسيلة للاتصال بذويه، وأنه، أي بورمية، عندما استفسر عن سبب هذه التفرقة في المعاملة قالوا له إنها «أوامر عليا»؟!

هل تريد «الأوامر العليا» أن تقول للناس إن هناك فرقاً بين بورمية، البدوي ابن القبيلة ابن المنطقة الخارجية، والخرافي الحضري ابن العائلة ابن المنطقة الداخلية؟ وأن تقول إن هناك فرقاً في المعاملة لأن هناك فرقاً في القيمة والمكانة ما بين أبناء القبائل وأبناء العوائل؟ ما بين البدو والحضر؟ وإن مسطرة القانون مائلة لمصلحة أولئك على حساب هؤلاء؟ وإن الميزان يكيل بمكاييل مختلفة باختلاف انتماءات وأصول المواطنين؟! فإن كان ذلك صحيحاً فيا لها من مصيبة إذن، لأنه سيشعل فتنة الله أعلم بمداها!

وهل كان يظن هؤلاء أن شيئاً مريعاً مثل هذا لن يخرج إلى العلن؟ وهل كانوا يعتقدون أن د. بورمية سيبتلع لسانه ويصمت ولن يتحدث عن شيء حين يخرج؟! يا لسوء التقدير وقصر النظر إذن!

ألم تدرك هذه «الأوامر العليا» بأنها من خلال تصرفها هذا لن تستعدي أبناء القبائل وتزيد من حنقهم على النظام والقانون فحسب، إنما ستخلق فوق ذلك جرحاً بالغاً في النفوس وغصة لاسعة في الضمائر بين أبناء هذا الوطن المسكين من حضر وأبناء قبائل؟!

أي ملامة أوجهها اليوم لأصدقائي الذين عادوا يلوذون بقبائلهم، بعدما كانوا من المنادين بالانصهار في دولة المؤسسات وتذويب الفروقات بين أبناء الوطن، حيث لا عنصرية ولا طائفية ولا فروقات؟! بل أي فكر أستند إليه، وأي مبدأ أحتمي به اليوم أنا نفسي، وأنا مَن كنت أرفض تصديق ما يقال عن تلك التفرقة التي تمارس ضدنا أبناء القبائل وأدعو إلى نبذ هذه الأفكار، وقد أصبحت أخشى أن أجد نفسي في يوم من الأيام، لأي سبب، في ذات الموقف القاسي ونفس التفرقة الفاحشة، لمجرد أني بدوي ابن قبيلة من المناطق الخارجية؟!

إن الكويت في خطر، والمستقبل ملبد بالعواصف، ولابد أن يسارع الجميع اليوم، من سياسيين وإعلاميين وقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني إلى استنكار ما جرى، ورفض هذه الممارسات الكارثية التي ستدمر المجتمع علَّها تهدئ النفوس وتخمد الفتنة، وعلى الواصلين غداً إلى البرلمان، وآمل أن يكون منهم د. بورمية نفسه، لأجل هذا الأمر بالذات، أن يضعوا المسؤولين عما جرى على منصة المساءلة، وإلا فلا أمن ولا أمان لهذا الوطن وأهله!