وجهة نظر : اشكالية منع تملك الاراضي في قانون الـ «بي أو تي»
في مقال سابق بعنوان «موقع الإبداع من الإعراب في قانون الـ بي أو تي» كتبت عن بعض جوانب القصور في القانون رقم 7 لسنة 2008 بتنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل، ورأيت أن القانون لم ينصف المبادر، حيث اختزل مكافأته في هامش أفضلية لا يزيد سقفه على 5 في المئة من قيمة أفضل عرض منافس، أو تعويضه عن تكلفة دراسة الجدوى الاقتصادية التي أعدها للمشروع، وفي حال دخوله مستثمرا في مبادرته فإن سقف حصته منها لا يزيد على 10 في المئة.
• تملك الأصولوإضافة إلى ما سبق أعرض اليوم إشكالية أخرى في نصوص هذا القانون تتصل بعدم أحقية المستثمر الخاص الحائز على حق الانتفاع بالأرض المملوكة للدولة في تملك أصول المشروع أو التملك المؤقت لأرض المشروع، مما يحول دون حصوله على ائتمان مصرفي ضروري بضمانة هذه الأصول.ويشير سجل الخبرة المتراكمة لدى العديد من الدول في التعامل مع موضوع المشاركة بين القطاعين العام والخاص، إلى وجود اختلافات ومناهج متعددة في معالجة هذه الإشكالية، ولا يتوقف اختلاف هذه المناهج عند مستوى الدول فحسب، بل ويمتد إلى مستوى المدن والمقاطعات في الدولة الواحدة.وفضلا عن ذلك يتفاوت التعامل مع الأصول والموجودات الحقيقية والمباني التي يقيمها المستثمر الخاص في الأراضي العامة عندما تنتهي فترة انتفاعه بالأرض. فهناك قوانين تنص على أيلولة كل هذه الأصول إلى الدولة دون تعويض كما هو الحال في القانون رقم 7 لسنة 2008، بينما تذهب تشريعات أخرى كما هو الحال في ألمانيا، إلى تعويض المستثمر بنسبة 50 في المئة من القيمة التقديرية أو الدفترية لهذه الأصول ساعة أيلولتها إلى الدولة، في حين تعوض جهات حكومية المستثمر عن كامل القيمة التقديرية للأصول، أو تعرض عليه الاستمرار في استغلال هذه الأصول، إذا ما تعذر عليها دفع قيمتها التقديرية، وفي بعض الحالات يتم الاعتماد على صيغة الإيجار مع الوعد بالبيع، في حال اثبت المستثمر جديته وأنجز المشروع في إطار الزمن المتفق عليه وبالمواصفات المطلوبة. وفي حالة الأصول التي لا يتم التعويض عن قيمتها عند انتهاء عقد الانتفاع، تبين عدة دراسات أن العديد من الجهات الحكومية تشكو من تسلمها لهذه الأصول متهالكة، عندما يحين موعد أيلولتها إلى الدولة، خلافا لما هو عليه حال الأصول المستحقة للتعويض.• حق ملكية اراضي الدولةويحصل المستثمر الخاص في العديد من الحالات على حقوق «ملكية فعلية» للأرض العامة خلال المدى الزمني للانتفاع، أي أن المنتفع يملك حقوقا موازية لحقوق الملكية الكاملة، إذ يكون من حقه بيع الأرض خلال المدة الزمنية المتبقية من حق الانتفاع أو تأجيرها كاملة لطرف ثالث، كما يستطيع أن يحصل على قروض مصرفية في مقابل رهن الأصول القائمة على الأراضي العامة المستغلة أو مقابل الأراضي العامة ذاتها، وتشترط بعض الأنظمة دفع القيمة الإيجارية عن كامل فترة الانتفاع مقدما كشرط لتحقق نظام الملكية الفعلية، كما هو الحال في مدينة موسكو في الاتحاد الروسي أو في جمهورية الصين الشعبية.وتذهب بعض الدول الأوروبية إلى منح حق الملكية الفعلية، ولكن مع قصره على حق المنتفع في الحصول على قرض مصرفي مقابل رهن العقار، متمثلا في الأرض العامة وما عليها من أصول، بينما تحدد أنظمة أخرى حوافز ضريبية للمستثمر الخاص من أجل تشجيعه على الانتفاع بالأراضي العامة، خصوصا في حالة أيلولة الأصول التي يقيمها المستثمر إلى الدولة دون مقابل تعويضي مجز للمنتفع.كما تذهب بعض الأنظمة إلى منح المستثمر فترة انتفاع تعادل ضعف الفترة اللازمة لتسوية مدفوعات القروض المصرفية التي يحصل عليها لبناء المباني وشراء الأصول اللازمة للاستثمار، كما هو الحال في مدينة سترسبورغ في شرق فرنسا التي لديها نحو 70 عقد تأجير لأراض عامة تمتد إلى مدد أقصاها عام 2079، ويطبق هذا النظام على سبيل المثال على فندق الهوليداي إن وفندق سوفاتيل وقصر حقوق الإنسان الذي يستغله المجلس الأوروبي في الوقت الحاضر، وكذلك على عدد من الأندية الرياضية.وأرى مما تقدم أن حق التملك المؤقت للأراضي العامة مسألة ذات أهمية كبيرة تستوجب إعادة النظر قي القانون المشار إليه، خصوصا في حالة مشروعات الـ بي أو تي التنموية الكبرى، والتي تتطلب تمويلا طائلا من جانب المستثمر، ولنا عودة إلى جوانب أخرى من هذا القانون.