الفضل في اقناع سورية، والصحيح هو إلزامها، بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان بعد كل هذه العقود من الرفض والممانعة لا يمكن ان تدعيه الا جماعة الرابع عشر من آذار، فهي التي حملت قميص رفيق الحريري، وطافت به الدنيا، وحوّلت استشهاد هذا الرجل الى قضية وطنية تبنتها معظم دول العالم، فكان قرار مجلس الامن الدولي رقم «1701» الذي بالضغط المتواصل أقنع «الشقيقة» الكبرى بتبادل العلاقات، على غرار ما هو متبع بين كل دول الكرة الارضية، مع الشقيقة الصغرى التي بقيت تنتظر هذه الخطوة منذ استقلالها في بدايات سنوات العقد الرابع من القرن الماضي.
هناك مثل يقول: «الثورة يصنعها الابطال والشجعان، ويقطف ثمارها الجبناء» فالذين يقيمون الافراح الآن ويعيشون الليالي الملاح هم الذين وقفوا ضد القرار 1559 وضد القرار 1701، والذين قاتلوا بالسلاح من أجل ان يضيع دم رفيق الحريري بين القبائل، وان تسجل هذه الجريمة النكراء على ذمة مجهول، وألا تتحول الى قضية وطنية لبنانية، وإلى قضية عالمية عنوانها المحكمة الدولية.الذين يحيون مهرجانات الاعراس الوطنية الآن هم الذين دافعوا دفاعا وصل إلى حدود الاستماتة عن بقاء العلاقات بين «الشقيقة» الكبرى و«الشقيقة» الصغرى على ما استمرت عليه على مدى أكثر من ستين عاما، وهؤلاء هم انفسهم الذين اعتبروا مطلب الاعتراف المتبادل بين سورية ولبنان وفتح سفارة سوريةٍ في بيروت، وسفارة لبنانية في دمشق خيانة ما بعدها ولا قبلها خيانة، ومؤامرة صهيونية و«سِكْناجية» على الامة العربية وعلى «فسطاط الممانعة والتصدي».كان كل من تجرأ، وقال بعدم جواز دفْع لبنان وحده ثمن اتفاقيات «سايكس-بيكو» الشهيرة والمعروفة يتعرض من قبل هؤلاء الذين احتفاءً بهذه الخطوة المباركة، التي بعُرفْهم جاءت في وقتها بالضبط، باتوا يُسيِّرون قوافل حجيج يومية الى دمشق الفيحاء للمباركة والتهنئة وتقديم كل آيات الشكر والعرفان، وكان كل من تحدث عن ان الصيغة السابقة المستمرة منذ اربعينيات القرن الماضي يتهم في وطنيته، وتلصق به صفات الخيانة والتآمر على الوحدة العربية، والتنكر للرسالة القومية الخالدة.وكل هذا، بينما الفضل هو لصاحب الفضل، وصاحب الفضل هو الشعب اللبناني بأغلبيته الصامتة والمرتفعة الصوت التي التفّت حول الهدف الذي دفع رفيق الحريري دماءه من اجله، وهو الشهداء كلهم الذين مزقت اجسادهم شظايا السيارات المفخخة... سليمان فليحان وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وجورج حاوي... والشهداء الاحياء سعد الحريري ووليد جنبلاط وفؤاد السنيورة وامين الجميل والياس عطاالله والجندي المجهول في هذه المعركة التي لاتزال مستمرة ومحتدمة باسم السبع.في كل الاحوال وبغض النظر عن كل شيء فإنه لا يمكن اعتبار خطوة تبادل العلاقات الدبلوماسية بين سورية ولبنان الا انها خطوة مباركة طال انتظارها، ويبقى انه لابد من ترسيم الحدود بين هاتين الدولتين الشقيقتين كي تكتمل هذه الخطوة، وكي تطوى صفحة محزنة، ما كان يجب ان تبقى مفتوحة كل هذه الاعوام الطويلة. * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
الفضل لصاحب الفضل
22-10-2008