اسمان جديدان، أضيفا أخيرا إلى قائمة النساء السوريات ضحايا القتل المشرعن، سفانة وجمانة، في السابعة والعشرين من العمر، قتلتا رميا بالرصاص على يد أخيهما «غسلا للعار».

Ad

يذكر الخبر، أن الطب الشرعي أثبت عذريتهما! وكأن من شأن ذلك أن يحدث فرقاً، وكأن من شأن ذلك أن يعيدهما إلى الحياة، وكأن عشرات القصص المماثلة السابقة، لم تشترك في كون الضحية عذراء، من غير أن يحول ذلك بينها وبين القتل. إلا إذا انطوت هذه التفصيلة على اقتراح ضمني، لأن تحمل الفتاة بشكل دائم في حقيبة يدها، شهادة عذرية مصدقة أصولا من الجهات المختصة، منعا للالتباس!

موقع «نساء سورية» الذي أورد الخبر، والذي أطلق منذ سنوات ولا يزال مستمراً، حملته ضد «جرائم الشرف» في سورية، يذكر تفاصيل موجعة عن كيفية التدبير لعملية القتل. التفصيل الأهم، والمشترك في جميع الجرائم المماثلة تقريبا، هو قيام قوات الشرطة بتسليم الفتاتين إلى الأهل، بعد التوقيع على «تعهد» بعدم إيذائهما. التعهد الذي يصفه الموقع محقا «بورقة لا تساوي قيمتها قيمة الحبر الذي توقع فيه»، وهو ما يعتبر بمنزلة تواطؤ ضمني مع القتلة، تجلب الضحية بموجبه إلى قدرها، تطبيقا للقانون على أكمل وجه!

ما يحصل في هذه الجرائم التي يعد فقط ما يكشف منها للإعلام عبر المنظمات المعنية بحقوق المرأة، بمئتي ضحية سنويا، هو تأمين الحماية ثلاثية الأبعاد لمرتكبي الجرم. قانون العقوبات، الذي يحمي هذه الجريمة بإعطاء مرتكبها عذرا مُحِلا أو مخففا، القضاء، الذي يطبق هذه المواد السيئة الذكر، التي تتضمن عنصر المفاجأة من قبل أحد الأصول أو الفروع الذكور أثناء جرم زنى مشهود أو فعل مناف للحشمة أو حالة مريبة مع الآخر! أو لدى ارتكاب الجرم «بدافع شريف». فيمنح العذر المخفف عن جريمة مدبرة ومرسومة بعناية، تقوم غالبا على عنصر الشبهة والشك، وأخيرا، الدعم الرسمي لهذه الجرائم، عبر الإصرار على إبقاء مواد القانون من غير تعديل، واستمرار إضفاء الحصانة على مرتكبي الجرم.

قد يكون للرأي الرسمي، حول هذه القضية، تبريرات تذهب بحجج مناهضي الحصانة الممنوحة لمرتكبي «جريمة الشرف»، وتحشرهم في الزاوية.

فالمرأة عندنا أصبحت وزيرة!

في هذا التوزير، ومثله عضوية مجلس الشعب وغيرها من المناصب الرسمية التي حظيت بها المرأة، فضلا عن كونها طبيبة ومعلمة وأديبة... إلخ، وفقا للديباجة المعتادة، ما يسخف دعاوى القائلين بوقوع حيف على المرأة. وفيه على ما يبدو، ما يبرر الإبقاء على بعض المواد القانونية التي تحمي «شرف» المجتمع بالتوازي مع الارتقاء بقدرات «حريمه». فيه أيضا ما يدلل على أن أي امرأة بإمكانها الوصول إلى منصب مرتفع ومكانة مرموقة في شتى المجالات، شرط أن تتوافر فيها الخصال الضرورية.

إذا ما وضعنا جانبا الشروط السياسية والاقتصادية، يشترط في تلك المرأة أن تكون من أسرة تحفظ لابنتها حقها في أن تتعلم وتخوض التجارب وتختار طريقها في الحياة، وأن تقر لها بحقها في امتلاك القرار المتعلق بما تريد أن تكون، وأن تعترف بها إنسانة راشدة غير ناقصة العقل، وألا تُعتبر بمنزلة ملكية خاصة للأسرة من الذكور، وألا تكون من أهل المدن المحافظة جدا أو الأرياف الغارقة في جهلها أو المناطق ذات الطابع العشائري الذي يضلل علاقاتها وأسلوب حياتها، ولا داعي لأن نكمل القائمة، لأنها تطول وإن حملت المعاني نفسها دائما.

الجامعات والأسواق، بما يظهران من «تحرر» الفتيات سلوكا وأسلوبا في الحياة، لا يعكسان المجتمع السوري كله. نظرة المجتمع للمرأة، وطريقة تعامل فئات كثيرة منه معها، يظهران صورة مختلفة تماما.

ظاهرة التحرش في الباص والشارع بالسفور والمحجبة على السواء، المضايقات التي تتعرض لها المرأة العاملة من مديريها وزملائها في العمل، نظرتهم إليها وثرثراتهم عنها، هي فقط بعض أوجه «مكانة» المرأة التي وصلت إليها.

لذلك، فإن قانون العار الذي يحمي قتلة النساء، خلافاً حتى لأحكام الشريعة الإسلامية في مثل هذه القضايا، يأتي استكمالا «لمسيرة» الانتقاص من إنسانية المرأة وإهدار حقوقها.

لكن، العجيب والغريب، أنه في حين يتطلب الجانب الاجتماعي جهداً ووقتا طويلين لإحداث تغيير فيه، لا يتطلب رفع الحصانة عن القتلة في هذه الجرائم أكثر من إرادة، تحول دونها على ما يبدو، أمور كثيرة، تمر بإرضاء بعض أطراف السلطة الدينية، وتنتهي حتما، باعتبار أن المرأة عندنا صارت وزيرة!

* كاتبة سورية