الكبت الجنسي والأعياد الإسلامية
في إحدى المحاضرات الشيّقة للأستاذ الايرلندي كيفن جيلدي، تناول الأخير ما أسماه الأزمة الجنسية في المجتمعات الغربية، وتحدث عن ساعات العمل الطويلة في الأسبوع والحياة القاسية التي تحتم على الطلبة الدراسة والعمل في وقت واحد، لتلبية التكاليف المرهقة والرسوم المرتفعة للجامعات، وذلك ينطبق على الجنسين على حد سواء.
ولم يكد الأستاذ ينهي حديثه، حتى تصدى له أحد الطلبة محتجا بأن الحديث عن الكبت الجنسي في الغرب غير دقيق، وقال الطالب ان الغرب على العكس من المجتمعات الأخرى مجتمع منفتح والجنس لا يشكل أزمة في حياة الانسان الغربي، والدليل كما ذكر الطالب هو توافر المحطات الاباحية والمجلات الجنسية وحرية الخطاب الجنسي والكم الهائل من الحرية المتاحة فى الرواية والشعر، أضف الى ذلك الحرية الجنسية التي يتمتع بها الرجل والمرأة على حد سواء. وأنهى الطالب حديثه والأستاذ ينصت مُطرقا وهو ينظر إلى أوراق البحث أمامه. وبعد صمت قليل رفع الأستاذ رأسه قائلا ان تلك هي الأسباب نفسها التي كنت سأبرهن بها على أن الغرب يعاني الكبت الجنسي. تابعت الخبر الذي تناقلته الصحف الكويتية وتلقفته الصحف العربية الأخرى، عن المشاجرات التي حدثت في المجمعات التجارية بسبب التحرش الجنسي، وقرأت بعض ردود الفعل عليه. والواقع أن ذلك لم يحدث في الكويت وحدها، ففي مصر توالت المحاضر البوليسية ضد مجاميع كبيرة من ممارسي الدعارة ومسهّليها في عيد الفطر، وهو العيد الذي يُفترض أن يكون ملزما للأخلاق والفضيلة لأنه يعقب شهر عبادة. السؤال الأهم هنا هو: هل نعاني في مجتمعاتنا كبتا جنسيا؟ اذا تحدثنا عن السطح يبدو لنا أننا مجتمع لا يعاني ذلك، فالصحوة الدينية قوية ومخرجاتها واضحة في الكتل الاسلامية بالبرلمان والجامعة وبعض مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام والجمعيات الاسلامية المنتشرة في كل أرجاء الوطن، ذلك يبدو على السطح، أما اذا كشفنا الغطاء فالوضع مرُيب، فالفضاء مفتوح والشباب لديه وسائل غير طبيعية لكسر كل «تابو» وفك أي «شيفرة» تمارس ضد رغباته. وما يمارسه الشباب، وهنا أقصد الجنسين، من تطويع مشين لتقنية «البلوتوث» واستخدام الهواتف النقالة في تناقل الصور والأفلام و«المسجات» لا يمارسه المواطن الغربي الذي يمتلك نفس التقنية. سأقف هنا مع الأستاذ الذي رد على الطالب بأن توافر منتجات الجنس مؤشر على وجود الكبت الجنسي، وهي منتجات متوافرة في المجتمع العربي والغربي وربما بذات الكفاءة، أما الظاهرة التي تحتاج فعلا الى دراسة وجهد تربوي واعلامي وتثقيفي في مجتمعاتنا، فهي ظاهرة الاكراه، لماذا تنامى الى ذهن الشاب أن كل فتاة سواء كانت محجبة أو منقبة أو سافرة هي راغبة في التحرش الجنسي، وان تمنّعت فذلك امر يجعل مزيدا من التحرش والاكراه أكثر متعة؟ الجواب على هذا السؤال المعقد هو التربية ولا شيء آخر، فالذين يطرحون المؤسسة العقابية لردع هؤلاء الشباب ينظرون الى آخر الطريق وليس الى أوّله، أول الطريق هو المؤسسة التربوية التي بدأت تفقد دورها في البيت والمدرسة. الانسان مُنتَج كأي مُنتَج استثماري اهتموا به كما تهتمون باستثماراتكم، أما كيف فأعرف أنكم تعرفون ولكن لا تريدون.