شهر واحد بين جلسة الحوار الأخيرة والجلسة الموعودة، لكنه يمكن أن يختصر جلسات الحوار كلها لو أراد القادة اللبنانيون المتحلقون حول تلك الطاولة المتعددة الرؤوس الخروج من نفق المداولات.

Ad

يكفي أن يقرر المتحاورون، قبل معاودة الغوص في استراتيجيات الدفاع، فَهم المغزى العميق لإعلان الرئيس السوري توقعه الانتقال من المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل إلى مفاوضات مباشرة تكرس حال السلام... هنا يمكن القول لـ«حزب الله» وتابعه «قُفَّة»: «أطعمكما الله حجة والناس راجعة»، ويمكن القول للمفاخرين بالميغ- 29: «هذا سلاح مزايدات سيستهلك الميزانية ويتحول خردة ولا بأس من امتلاكه سياسياً ولحفلات الاستعراض».

تُبنى الاستراتيجيات على معطيات استراتيجية، والمفاوضات السورية-الإسرائيلية ليست تفصيلاً عابراً على الإطلاق، لذلك تبدو «استراتيجية» الدفاع التي يصر عليها اليوم «حزب الله» وحلفاؤه، خارج سياق المبادرة العربية للسلام ومن خارج إطار التوجه السلمي الذي تنحو إليه دمشق، وهي في أحسن الاعتبارات، تمرين ذهني أو استعراض للعضلات ينطلق من حسابات سياسية آنية مهما تُجلّل بالنظريات. أما القول بأن هذه الاستراتيجية مستقلة شكلاً ومضموناً وواجبة للدفاع بغض النظر عما إذا كان السوريون والعرب ذاهبين إلى التسوية، فهذا كلام عبثي لا يعني فعلياً إلا استمرار خطف لبنان واعتباره ساحة وحيدة للنزال وإلقاء مهمة «تحرير القدس» و«إلقاء اليهود في البحر» على شعب دفع أكثر مما يتوجب عليه في هذا الصراع.

على أي حال يمكن الجزم بأن أيا من المشاركين في الحوار لا يؤمن بجدواه، وبأن هذا اللقاء الذي تحول عادة شهرية لن يتمكن من استيلاد تفاهمات على مواضيع الانقسام وعلى رأسها استراتيجية الدفاع، وهنا يجب القول: «معه حق وليد جنبلاط»، فبدل الغرق في الاستراتيجيات والخلافات فليبادر المجتمعون إلى تنفيذ ما اتفقوا عليه قبل «حرب تموز»، وهو مطلب عملي ويختبر النيات. فإذا كان السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لايزال فالتاً من أي عقال، وداخلها تتوالد تنظيمات تشبه «فتح الإسلام»، و«تحديد الحدود» صار مع زيارة «القلب المفتوح» العونية لدمشق غير ضروري قبل زوال الاحتلال من شبعا، وكلها بنود اتفق عليها ولاتزال عالقة لارتباطها بمعادلة سياسية أمنية لدى محور دمشق-طهران، فكيف للمجتمعين حول طاولة الحوار أن ينتقلوا إلى التوافق على مهمة أصعب وذات ارتباط عضوي بالنزاع الداخلي كونها تبحث في مستقبل السلاح خارج الشرعية بالتوازي مع استراتيجية الدفاع؟

فليستمر الحوار، وليقدم الخبراء ومدّعو الخبرة تصوراتهم لكيفية الدفاع عن لبنان، لكن السذج وحدهم يعتقدون أن «حزب الله» الذي يقيم بُنى عسكرية وسياسية واجتماعية متكاملة ويأتمر بأمر ولي الفقيه ويحاول استثمار «حرب تموز» سيتنازل عن مشروعه السياسي والإيديولوجي الكبير لمصلحة الدولة لمجرد أن ممثله في طاولة الحوار رأى أفكاراً معقولة في اجتهادات «14 آذار» السويسرية المبنية على الحياد.

رغم ذلك يبقى اللقاء الدوري برعاية الرئيس سليمان مطلوباً لتلطيف الأجواء وتبريد «الأعصاب البرتقالية» المتوترة التي لا تكاد ترجع من «حج المحبة والغفران» حتى تعاود استثارة الضغائن والأحقاد، مثلما أن اللقاء ضروري لتأجيل انفراط عقد «اتفاق الدوحة» الذي يزداد هشاشة كلما اقتربت الانتخابات.

فليستمر الحوار، لكنه عقيم حتى الآن ويأكل من رصيد الرئيس سليمان، فهو المؤتمن على نجاحه وليس على استمراره إلى ما شاء الله، وهو الحَكَم الذي يجب أن يتحول حاكماً حين يتأكد أن هناك من يراوغ ليُبقي لبنان دولة مفككة وساحة للعبة العنف انتظاراً لتطورات المحكمة الدولية أو الملف النووي، فيما تلعب الدولة السورية لعبة السلام، وتلعب «الجمهورية الإسلامية» لعبة المساومة، في مواجهة نفس التطورات.