إن تضحيات الرجال في المواقف الكبيرة والمحن الوطنية- لاسيما رجال الدولة- تبرز وتتقدَّم، فتتلاشى لديهم الحسابات الضيقة، وحسابات أصحاب النفوذ من حولهم، وتظل حسابات الوطن هي الأسمى والأكبر لديهم، مهما كان حجم التضحية والثمن الذي سيقدمونه.

Ad

أكتب مقالتي هذه في وقت مبكّرٍ من صباح الأربعاء، وبعد عشرة أيام تقريباً من استجوابي د. فيصل المسلم ونواب «حدس»، و48 ساعة من تقديم استجواب النائب محمد هايف، والمقدمة جميعاً بحق رئيس الحكومة، ومازالت حالة عدم اليقين والالتباس حيال تلك الاستجوابات، والعلاقة بين الحكومة والمجلس معلقة بين صلح ووئام أو طلاق بائن، فلمصلحة من؟ ولحساب من يُشترى وقت البلد الثمين ومصالحه العليا، باستمرار الوضع الحالي الملتبس والرمادي؟

فجلسات مجلس الوزراء منذ أسابيع تُستهلك في مناقشة حالة التوتر مع النواب، والاستجوابات القائمة والمحتمل تقديمها، وتقريباً ثُلث الطاقم الوزاري مشغول في لجنة لبحث الاستجوابات المقدَّمة وكيفية التعامل معها، أو لتبرير عمل لجنة حكومية بإزالة مرافق مخالفة لإرضاء نائب وثنيه عن المساءلة السياسية، بينما القضايا المصيرية من أزمات اقتصادية ومعيشية تجثم على صدر البلد دون قرار حاسم لمواجهتها..

والجميع في انتظار كلمة من بيده قرار إدارة البلد وتسيير شؤونه، ليبدد حالة المراوحة الحالية، فالذي تطغى حساباته على حساب بلد بكامله، ينتظر قراراً أو تخريجة للهروب إلى الأمام من استحقاق مهم استحكمت وقائعه، فأضحى لا مفر من اتخاذه.

الوضع الحالي أصبح مكشوفاً، وخياراته محدودة، بين صعود رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد المنصة، لمواجهة الاستجوابات الثلاثة وربما الأربعة، إذا قرر «الشعبي» الانضمام إليها، أو إحالتها بالجملة إلى المحكمة الدستورية أو اللجنة التشريعية البرلمانية أو أن الحكومة تستقيل وتضع القرار النهائي بين يدى سمو أمير البلاد.

وما يجب أن تحسمه الحكومة على الفور للخروج من الحالة الضبابية التي تشجع المزيد من التشنج النيابي حالياً، والقلاقل في الساحة السياسية والشارع الكويتي، هو القرار الذي يجب أن تعلنه بوضوح، دون التباس التسريبات الوزارية المتضادة، وجعل البلد على حافة الهاوية حتى عشية جلسة الثلاثاء المقبل، التي ستكون حسب الوضع الحالي نقطة الانفجار، وقمة المواجهات.

فهي (الجلسة) ستضيف مشهداً في غاية السوء للبلد بما تحتوية في جدول أعمالها، من استجوابات وقضايا تمثل كلها فتيل اشتعال لذلك الانفجار، وتلك القضايا لا يوجد حيالها أدنى تفاهمات بين الحكومة والمجلس، ولا تجعل أحداً قادراً على تجنبها وإطفاء ما سينتج عن اشتعالها.

وفي هذه المواقف الكبيرة والمحن الوطنية، فإن تضحيات الرجال- لاسيما رجال الدولة- تبرز وتتقدَّم، فتتلاشى لديهم الحسابات الضيقة، وحسابات أصحاب النفوذ من حولهم، وتظل حسابات الوطن هي الأسمى والأكبر لديهم، مهما كان حجم التضحية والثمن الذي سيقدمونه، فالبلد هو الباقي، واستنزاف حسابه وانكشافه، سيدفع الجميع ثمنه غالياً.

لذا فإنني وكثيراً من أبناء الكويت لدينا ثقة بأن سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح، ورغم كل الأحداث والزلات الأخيرة، سيحيّد كل الحسابات لمصلحة الكويت، ليخرجها من محنتها الحالية، بقرار حاسم دون لبس أو تردد نترقبه قريباً.