بين انتخابات العراق وانتخابات إسرائيل: الرسالة والدلالات
خيب الناخب العراقي آمال وتمنيات الأحزاب الطائفية وأصحاب الشعارات الإيديولوجية، فقد انتخب العراقيون مجالس محافظاتهم في 14 محافظة من أصل 18، في انتخابات شهدت إقبالا كثيفا فاق عدد الناخبين فيها أضعاف عدد المسجلين، ووصفت بأنها تمثل انعطافة تاريخية في مسيرة العراق استوجبت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى بغداد وتهنئة العراقيين بنجاح الانتخابات المحلية، وعدها مؤشراً على (تعزيز المصالحة الوطنية وخطوة في طريق استعادة العافية) لكن النقلة النوعية التي حققتها هذه الانتخابات، ولأول مرة في تاريخ الانتخابات العربية، التي دلت على ارتفاع وعي الناخبين العراقيين، ونضج خياراتهم، عدم انسياق الناخبين وراء الشعارات الإيديولوجية الجوفاء، فقد ارتفعوا فوقها وأكدوا انتماءهم العربي قبل الطائفي وغلبوا القضايا المعيشية على الشعارات، فاهتموا بقضايا الإسكان والنظافة والمياه والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية والمواصلات.ومما يذكر للأمن االعراقي نجاحه في تأمين مراكز الاقتراع 440 مركزا بحيث لم تحدث عمليات انتحارية أو هجومية كبيرة مخلة بالأمن خلال الانتخابات، ولكن ما دلالات كل ذلك؟ وما الرسالة التي تحملها هذه الانتخابات على الصعيدين العراقي والعربي؟ إن الناخب العربي إذا أتيح له المناخ الديمقراطي الصحي يمكن أن يستخدم صوته بطريقة صحيحة، وهذا من شأنه أن يدحض كل تلك المقولات التي اعتادت على القول إن الإنسان العربي لا يمكن له أن يهضم الديمقراطية لأن القبلية أو الطائفية متجذرة في نفسه، ولأن دينه يناقض الديمقراطية، ولذلك فإن العرب لاينفع معهم إلا حكم سلطوي ولا ينقادون إلا لحاكم مستبد، وقد يعترض البعض بأن تصويت الناخب العراقي في الانتخابات المحلية ليس معياراً سليما لتصويته في الانتخابات النيابية، حيث تتغلب الاعتبارات الإيديولوجية والولاءات الطائفية، هذا قد يكون صحيحا لكني أتصور أن الناخب العراقي اليوم قد وصل إلى مستوى من النضج بعد تجارب مريرة في 3 انتخابات واستفتاء على الدستور شهدها العراق منذ زوال النظام الشمولي في إبريل 2003، ما يجعله أكثر حرصا على عدم تكرار الأخطاء السابقة، على أنه مما يعين الناخب العراقي في ترشيد اختياراته النيابية وجود نظام انتخابي يستطيع فيه الناخب محاسبة نائبه، ولهذا ينبغي إعادة النظر في القانون الانتخابي الحالي وتعديله من نظام التمثيل النسبي إلى نظام انتخاب الدوائر المباشر، كما يطالب به بعض أساتذة القانون العراقيين.
إن نتائج الانتخابات المحلية العراقية واعدة ومبشرة بعراق حر وديمقراطي حريص على وحدته، عريق في عروبته، وسند لأمته، لكن العراق اليوم بحاجة وأكثر مما مضى إلى مزيد من الدعم والتواصل العربي (حكومات ونخبا ثقافية وسياسية وجماهير) وعلى كل المستويات: السياسية والإعلامية والاقتصادية، وعلى العرب خصوصاً الخليجيين تجاوز الشكوك وسوء الظنون، وعليهم تكثيف مساعيهم وعدم ترك العراق ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، خصوصاً أن الانتخابات النيابية قادمة بعد 10 أشهر، وذلك من أجل مصلحتهم الاستراتيجية قبل أن يكون من أجل مصلحة العراقيين، على أنه مما يحمد لهذه الانتخابات الإقبال السني الكثيف في وعي لدروس المقاطعة السابقة، وفي تجاوز للخطاب الديني الطائفي المغلق نحو خطاب وطني عام.ما حصل، خطوات في الطريق الصحيح، وكما يقول عادل عبدالمهدي- نائب رئيس الجمهورية- عن هذه الانتخابات إنها «تجربة جيدة تكرس الحالة الديمقراطية في العراق تؤسس لوعي اجتماعي جديد لم يكن موجوداً في هذا البلد».لننتقل الآن من المشهد العراقي الواعد إلى المشهد الإسرائيلي الصادم، ولنقارن بين وعي الناخب العراقي الذي انحاز للأمن والاستقرار والإعمار ووعي الناخب الإسرائيلي الذي يعيش في مجتمع ديمقراطي كما يقال، لنجده قد فضل الحرب والدمار والتصادم مع العالم على الأمن والسلام، لقد شارك في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية 5.7 ملايين ناخب لاختيار 120 نائبا في الكنيست الإسرائيلي، ومن بين 34 قائمة انتخابية تمثل أحزابا وتحالفات حزبية نجحت 12 قائمة فقط في حجز مقاعد لها في البرلمان، لكن الانتخابات أفرزت نتائج مخيبة للآمال، فمن بين 120 مقعدا في الكنيست نجد أن الناخب الإسرائيلي انحاز إلى اليمين واليمين المتطرف أكثر من الوسط واليسار، فكانت النتيجة 65 مقعداً لليمين على مختلف أطيافة (الليكود 27 مقعدا، و15 مقعدا لإسرائيل بيتنا، وهو حزب إسرائيلي متطرف، و11 مقعدا لحزب شاس المتشدد، و5 للقائمة الموحدة للتوراة و7 لحزبين يمينيين متطرفين يتبعان المستوطنين)، ومعنى ذلك أن حظوظ بنيامين نتنياهو (زعيم حزب الليكود) في تشكيل حكومة يمينية دينية متطرفة أكثر من حظوظ تسيبي لفني (زعمية حزب كاديما) رغم حصولها على 28 مقعدا لأنها واعتمادا على انضمام حزب العمل لها بـ13 مقعدا وحزب ميرتس اليساري بـ3 مقاعد، لن تحظى بأكثر من 44 صوتا وليس مؤكداً حصولها على 61 صوتا وهو الحد الأدنى الضروري لتشكيل حكومة. دعونا نتساءل: ما الرسالة التي تقدمها نتائج هذه الانتخابات للعالم؟ إن الرسالة الواضحة التي تحملها هذة الانتخابات التي أتت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، هي أن الشعب الإسرائيلي يرفض السلام ويرفض مواصلة المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، وأنه يريد حكومة حرب تواصل عدوانها على الفلسطينيين بشكل أكثر ضراوة، وتواصل إقامة المستوطنات وتمنع قيام دولة فلسطينية، ماذا نسمي هذا الوعي الاتنخابي؟ إذا كنا قد استبشرنا بوعي الناخب العراقي ووصفناه بالإيجابي فإن وعي الناخب الإسرائيلي وعي سلبي محبط، بل مضلل ولا يصب في مصلحة أحد لا الإسرائيليين أنفسهم ولا الفلسطينيين ولا المصالح الدولية وبالأخص الأميركية، بل هو وعي صادم لكل آمال وتوقعات المجتمع الدولي التي استبشرت بالإدارة الأميركية الجديدة والداعمة لمبادرة السلام العربية، السؤال الآن: إذا شكل نتنياهو حكومته اليمينية المتطرفة، فكيف سيتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة؟ هل سيتحداها ويدخل في صدام معها أم يسعى إلى المناورة عبر ضم حزبي كاديما والعمل لتشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة لمدة 4 سنوات ثم المراهنة على الصراع الفلسطيني-الفلسطيني ليقول للإدارة الأميركية بأنه لا شريك فلسطينيا يتفاوض معه؟ لقد كان اختيار الناخب الإسرائيلي خطأ بكل المقاييس، ولهذا قال السياسي والأديب الإسرائيلي يوسي ساريد: إن الإسرائيليين سيندمون كثيرا على شكل تصويتهم في هذه الانتخابات فقد سمحوا لأنفسهم أن ينتخبوا قيادة من العهد القديم، ولم يدركوا التحول في عالمنا الذي يعتبر انتخاب الرئيس أوباما انعكاسا له.لقد انتخبه الأميركيون لأنهم فهموا سر الضرورة الملحة في عالمنا، ونحن الذين نقلد الأميركيين في كل شيء ولكن بعد فوات الأوان، أخطأنا الهدف مرة أخرى وعدنا إلى الوراء 20 سنة، وبدوره قال صائب عريقات- رئيس دائرة شؤون المفاوضات الفلسطينية- في تعليقه على نتائج الانتخابات الإسرائيلية: «إن الناخب الإسرائيلي لم يصوت للسلام على المسار الفلسطيني ولا على المسار السوري، إنما أيد تشكيل حكومة وحدة وطنية للحرب على إيران، وأضاف عريقات: إن أي ائتلاف حكومي إسرائيلي لا يعترف بالاتفاقيات الموقعة ولا مبدأ الدولتين ولا يقوم بوقف الاستيطان لن يكون شريكا للمفاوضات مع الفلسطينيين»... الآن ما واجب الفلسطينيين أمام نتائج هذه الانتخابات؟ إن نتائج هذه الانتخابات تضاعف مسؤولية الفلسطينيين في توحيد صفوفهم وفي ضرورة المسارعة في تحقيق المصالحة الوطنية وفي تشكيل حكومة وحدة وطنية.ويبقى أن نقول في النهاية، إنه لا معضلة في الديمقراطية، لكن اختيارات الناخب سلبا أو إيجابا هي مصدر شقائه أو سعادته، وهنا يأتي دور التعليم والإعلام والخطاب الديني والثقافي، فإذا كانت هذة المصادر تغذي الجانب الشعاراتي الإيديولوجي والعاطفي العدائي فإن الديمقراطية تكون مصدر خراب وتدمير وعذاب مستمر. * كاتب قطري