الرصيد... صفر!!
من سابع المستحيلات هذه الأيام، بل من عاشرها، أن تجد مواطنا بسيطا «على قد الحال» من غير ذوي المصالح والمنافع يتعاطف مع الحكومة أو يقف معها، حتى إن تيقن من صواب ما تقول وما تفعل، فالتعاطف مع الحكومة أصبح عند المواطن البسيط تهمة يتبرأ منها وذنباً يستغفر الله منه بكرة وأصيلا!وصار أمرا اعتياديا أن ترى نائبا في جلسة من جلسات مجلس الأمة يلعلع بحنجرته صعودا وهبوطا من أعلى السلم الحنجري حتى أسفله، متجاوزا كل الدرجات المكسورة والمخلوعة وهو ينتقد أداء أحد الوزراء ، ثم تسمع بجانبك أحدهم يقول بصوت أجش وهو ينفث دخان سيجارته بحرقة وقد تحول إلى كتلة من الشماتة «إيه... حيلك فيه»!
بل إن النائب الليبرالي يتحول إلى «سنافي وطير شلوه» عند المواطن الإسلامي... والنائب الإسلامي المتشدد يتحول إلى «معتدل ومتنور» عند المواطن الليبرالي... «فقط» في اللحظات التي يشن هجومه فيها على الحكومة أو أحد وزرائها، ويا سبحان الله، كيف يجمع عداء الحكومة الشتيتين فكريا وقد ظنّا ألا تلاقيا!وتتساءل ببراءة: هل هناك عداوة شخصية بين المواطنين والسادة الوزراء تجعلهم يفرحون ويشمتون إن هوجموا من قبل النواب؟! وفي المقابل، هل يذوبون عشقاً بنواب مجلس الأمة؟! وهل هم راضون عن أدائهم كل الرضا ليقفوا معهم ضد الحكومة؟! والواقع أنه ليس هناك أي عداوة أو ثأر شخصي بين الناس والسادة الوزراء أو الحكومة، إنما المشكلة الحقيقية هي في الحكومة نفسها، في أدائها غير المقبول وغير المعقول عند الأغلبية العظمى من المواطنين، وفي رصيدها الذي يتضاءل يوما بعد يوم في قلوبهم، حتى ليكاد يقترب من «الصفر» في الأعوام الأخيرة، وأصبح حالها معهم كما يقول المثل المصري «أفتكرلك إيه يا بصلة وكل قشرة فيكي بدمعه»!مشكلة الحكومة أنها نسيت في ظل صراعها الدائم مع المجلس ونوابه، والذي تحول إلى مسلسل مكسيكي عنوانه «حرب المصالح الشخصية»، أن مهمتها الأولى والرئيسة هي رعاية المواطنين وتطوير خدماتها المقدمة لهم، نسيت أن تجعل تعليم أبنائهم أفضل، ونسيت أن تبني لهم مستشفيات جديدة وحديثة، نسيت أن توسع الطرق وتخفف الزحام اليومي، نسيت أن تقلص مدة انتظار السكن الحكومي، نسيت أن تراقب الأسعار، نسيت أن تعيد للأمن هيبته وأن تطبق القانون على الجميع، نسيت أن تحل مشاكل العمالة السائبة والتركيبة السكانية، نسيت... ونسيت... ونسيت...!«الله يخليكم» إن كان هناك من «يمون» منكم على الحكومة، ليأخذها على جنب وليهمس في أذنها قائلا: إن أزماتها المستمرة مع مجلس الأمة هي في الأساس نتاج أزمتها مع مواطن غير مرتاح وغير مُهنَّأ في عيشته، وإن وجود نوعية سيئة ومشاغبة من النواب في المجلس ما هو إلا انعكاس لمشاعر المواطنين الغاضبة تجاهها وتجاه أدائها الضعيف وتجاهلها لمطالبهم، لأن المواطن الغاضب وغير المُهنَّأ في حياته لن يصوت في الانتخابات سوى للمرشح الغاضب والمشاغب، فهو القادر على التعبير عن مشاعره تجاه الحكومة، أما المواطن المرتاح والسعيد فلن يصوت إلا للمرشح الهادئ في طرحه لأفكاره وتوجهاته.أمر مؤسف أن تضيع الحكومة وقتها في تحقيق الانتصارات على هذا النائب أو تلك الكتلة، دون أن تدرك أن انتصارها الحقيقي سيكون في إرضائها للمواطنين البسطاء، فهم وحدهم، من سينتصر لها في أي انتخابات قادمة إن تمكنت من تحسين أوضاعهم وطورت لهم الخدمات الأساسية التي يحتاجونها، أما إن تجاهلتهم وتحول رصيدها مع الأيام في قلوبهم إلى «صفر» حقيقي، فلا راحة ترتجى منها أو لها في مستقبل قريب أو بعيد!