قد يجد المرء نفسه معجباً بقدرة شخص على الثبات على موقفه، وتحقيق هدفه وخدمة شعبه، وبالرغم من رفضه لسياسته وعنصريته فإن صدقه مع نفسه وإخلاصه لشعبه يدفع الإنسان إلى الإعجاب بهذا الشخص وتقديره، وأعتقد أن هذه حال الكثيرين، وقد أحسست بهذه الحال مع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق منذ أكثر من 30 عاما «مناحيم بيغن» وكذلك مع «نتنياهو».

Ad

والحقيقة أن نموذج بيغن-نتنياهو رغم الرفض التام والكره الشديد لشخصيهما وعنصريتهما فإن تمسكهما بأحلام الشعب اليهودي وصدقهما معه وقدرتهما على تحقيق آماله يجعل منهما نموذجا يتمناه المواطن العربي في حكامه الضعفاء الخانعين.

عندما وقع «بيغن» معاهدة السلام مع «السادات» كان واقعيا وصادقا مع نفسه وشعبه فلم يخدعه بأحلام السلام وآمال الرخاء كما فعل غيره، ولم يضحك على العالم بعبارات إنشائية ومفردات مطاطية وحاجز نفسي وجدار سيكولوجي، بل قال بوضوح وصراحة «إن عودة سيناء كمقابل لخروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي هو أقل ثمن يمكن دفعه...»، هكذا بلا مواربة ولا خداع، وكان هذا (خروج مصر من الصراع) هو ما حلم به ديان بعد انتصار 1967، ولم يتحقق هذا الحلم، ولكنه تحقق بعد هزيمة 1973!!

لقد انتشل بيغن إسرائيل من عار الهزيمة العسكرية إلى شرف الريادة السياسية، وقد أعاد إلى إسرائيل هيبتها السياسية بعد أقل من 5 سنوات من فقدان شرفها العسكري، ولذلك فهذا الرجل الذي تعامل مع مواطنيه بهذه الشفافية والمسؤولية يستحق منهم الحب، وعلى المستوى الفكري يستحق التقدير لإيمانه بدوره كرئيس لشعب يسعى لتحقيق آماله وتطلعاته، أما حكامنا العرب فللأسف يتخفون وراء الشعارات الزائفة والأكاذيب المضللة من أجل خداع شعوبهم والضحك على مواطنيهم.

ومثل بيغن جاء نتنياهو وكان صادقا أيضا مع نفسه وشعبه حين قال على الملأ منذ 10 سنوات إن العرب ظاهرة صوتية، وكان يدرك يقينا أن ما يفرق العرب– للأسف- أكثر مما يجمعهم، وأنهم لا يستطيعون فعل شيء، وأن دور مصر لم يعد يتجاوز دور جزر الفاو وموريشوس وتركمنستان (مع الاحترام والتقدير لهذه الدول، فلم تعد مصر قادرة سوى على إصدار بيانات الشجب والتنديد، وحكومة إسرائيل تتقبل ذلك بصدر رحب، وإن أبدت الغضب لأنها تعلم أن الدور المصري لم يعد قادرا على تجاوز هذه الخطوط (شجب- استنكار - تنديد).

لذلك لم يكن غريبا على الرئيس مبارك أن يسارع إلى دعوة نتنياهو لزيارة مصر ولقائه في شرم الشيخ، ولكن من حق المواطن المصري أن يتساءل لماذا؟ لماذا يتطوع الرئيس مبارك بالدعوة؟ ولماذا يبدي مظاهر الترحيب بشخص نتنياهو الكريه؟ ولماذا يبادر إلى إظهار الود لسفاح لبنان وغزة ودماء شهدائها لم تجف بعد؟ وقبل أن تنطلق الحناجر الإعلامية لأصحاب الواقعية السياسية ويصرخون أنها دعوة بروتوكولية لا تقدم ولا تؤخر نتساءل: وإذا كانت كذلك فما الداعي لها؟ وما النتيجة التي يسعى إليها مبارك؟ ولماذا تحرص مصر على دعوته؟ وما الجديد الذي سيقدمه وقد أعلن فور تشكيله الوزارة بصراحة «لا دولتين... لا أنابوليس... لا سلام... فقط أمن إسرائيل هدفه وطريقه».

وماذا سيحدث لو جاء- وسيأتي- معه وزير خارجيته ليبرمان الذي أهان مصر، وقال عن مبارك «ليذهب إلى الجحيم إذا لم يرد زيارة إسرائيل» وطالب بتدمير السد العالي، ويومها وقف وزير خارجية مصر كالأسد الهصور يرفض حديثه ووجوده، فما موقفه الآن؟ وماذا سيفعل وهو المضطر للقائه على أرض مصر التي طالب بتدميرها... ماذا سيفعل وزير خارجية مبارك؟

لقد قلتها من البداية إن الرجل الذي يعرف ماذا يريد وما يتمناه شعبه ويسعى إلى تحقيقه وإثبات تفوقه وهيمنته على دول الجوار يستحق– رغم الكره الشديد- أن نصفق له... «برافو نتنياهو».