باكستان: هفوات طالبان
يحتاج الرئيس الباكستاني إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه في حال بدأ الجيش، وهذا ما يبدو مرجحاً، الاستعداد لشن هجوم شامل على سوات. أولاً، قد يتسبب هذا الهجوم في أكبر موجة من اللاجئين منذ انقسام باكستان عن الهند. ثانياً، سيكون هجوماً دموياً جداً إذا نفذه جيش يعتمد على الأسلحة الثقيلة.
لا أحد من القائدين اللذين التقاهما الرئيس أوباما في واشنطن يوحي بالثقة. فلا الرئيس آصف علي زارداري ولا الرئيس حميد كرزاي يتحكم كاملاً في قواته المسلحة، فما بالك ببلده! فضلاً عن ذلك، سمعة كليهما ملطخة بعد أن وُجهت إليهما تُهم فساد مزعومة. لذلك قد يسهل على المشككين القول إن من الضروري تكبيل رزم المساعدات المخصصة لباكستان وأفغانستان والمطروحة راهناً أمام الكونغرس الأميركي بمعايير مستحيلة. إلا أن ذلك سيشكل خطأ فادحاً.
ثمة وجهان لمشاكل باكستان: الأول قوة «طالبان» في المناطق القبلية والثاني ضعف الدولة. صحيح أن توالي الدكتاتوريين العسكريين على السلطة قوّض الحكومة في إسلام أباد، ولكن على أوباما بذل قصارى جهده لدعم تطور حكومة ناضجة قابلة للحياة في باكستان. وهذا هو المنطق الذي يستند إليه اقتراح ثنائي طرحه السيناتوران جون كيري وريتشارد لوغار. يقضي هذا الاقتراح بتأمين مساعدات اقتصادية وعسكرية قيمتها 7.5 مليارات دولار خلال خمس سنوات. في عهد بوش، كانت هذه الأموال تذهب من دون أي تدقيق إلى جيوب جنرالات الجيش، الذين تحولوا نتيجة لذلك إلى رجال أعمال ومالكي أراض بارزين. حتى أن بعض المال ذهب إلى المجاهدين أنفسهم الذين يقاتلهم الجيش الباكستاني اليوم في سوات ودير وبونر. ولكن لا يسعنا الجزم في الحال أن من الأفضل لواشنطن أن تستثمر، ولو متأخرة، في البنية المتداعية للمناطق القبلية، فيما تقوض في الوقت عينه رئيسها المنتخب ديمقراطياً بالتكلم عن سقوطه الوشيك. لم يدرك الجميع في الإدارة أن معدل المبالغة في الحديث عن باكستان في واشنطن اليوم (تفصلها عن الانهيار «ستة أشهر» فقط، موادها النووية غير مؤمَّنة، وهي في متناول «القاعدة») لا يخدم مصالح الولايات المتحدة. فعلى هذه الأخيرة أن تسعى لتعزيز لا تقويض إجماع ديمقراطي على زارداري. يحتاج الرئيس الباكستاني إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه في حال بدأ الجيش، وهذا ما يبدو مرجحاً، الاستعداد لشن هجوم شامل على سوات. أولاً، قد يتسبب هذا الهجوم في أكبر موجة من اللاجئين منذ انقسام باكستان عن الهند. ثانياً، سيكون هجوماً دموياً جداً إذا نفذه جيش يعتمد على الأسلحة الثقيلة. فالمجاهدون يختبئون في بلدة مينغورا الرئيسية وحولها، وهم مستعدون للقتال. لكنهم هم أيضاً استنفدوا أوراقهم بتوجيههم بنادقهم ضد رجال الشرطة وبالتالي ضد الدولة بحد ذاتها. كذلك ازداد الجو العام قسوة بسبب كلمات الشيخ الصوفي محمد، الذي اعتبر المحكمة العليا، التي تطلبت الكثير من النضال في باكستان، غير إسلامية. ومن المطمئن أن نعرف على الأقل أن واشنطن لا تحتكر الهفوات والأحكام الخاطئة. فأعضاء «طالبان» يرتكبون هم أيضاً ما يكفي من الهفوات.