يقال إن لكل إنسان شخصيتين، شخصيته الحقيقية وشخصيته التي يحب أن يظهر بها أمام الآخرين، الأولى باطنية لا يراها الناس، ولا يرون أسرارها المخفية ورغباتها المكبوتة ونواياها المحبوسة وتناقضاتها المدفونة في الأعماق، والتي تظهر فجأة حين تتهيأ الظروف المواتية للظهور، والشخصية الثانية هي الظاهرة للجميع بكل نقائها وجمالها ورزانتها واتزانها، وأخلاقها العالية الرفيعة!

Ad

هذه الأيام، تعرض إحدى الفضائيات برنامجاً أجنبياً مثيرا اسمه «لحظة الحقيقة» -(Moment of Truth)- فكرة البرنامج ببساطة واختصار هي «المال مقابل الأسرار» أو «المال مقابل الفضيحة» بمعنى أدق، حيث يُستضاف أحد الأشخاص في وجود أقرب الناس إليه، كالزوج أو الزوجة أو أحد الوالدين أو أقرب الأصدقاء، ثم يواجه بعدد من الأسئلة الشخصية المحرجة والغريبة للغاية، والمختارة بدقة وعناية وبكثير من الدهاء والخبث، لتحبس أنفاس الضيف وتجعله يُقر ويعترف بخباياه وأسراره كلها، وهو «مجبر لا بطل»، لأن جميع إجاباته ستخضع لجهاز كشف الكذب، وكلما كانت إجاباته صحيحة، ربح مزيداً من المال، وكلما زاد طمعه في الحصول على الـ500 ألف دولار، وهو الحد الأعلى لجوائز البرنامج، أما إن حاول أحدهم أن «يتشطر» ويكذب، وعادة ما يحدث ذلك لأن «الطبع يغلب التطبع»، فحينها سيكشف جهاز الكذب كذبته ويوَدِّع البرنامج خاسراً كل شيء، شريك الحياة والصديق والأهل، والمال الذي ربحه أولاً!

برنامج جميل، يقدم إليك التسلية والفضول والرغبة في معرفة أسرار الناس، إنه «استربتيز» الشخصيات، حيث تتعرى الشخصية أمامك قطعة قطعة مع كل سؤال، وترى الجانب الآخر المخفي من الإنسان، وتتيقن أن الملائكة لا يسكنون الأرض ولا يعيشون بيننا، وأن كل إنسان يُخفي من «البلاوي» ما الله به عالم!

بطبيعة الحال، ليس من السهل علينا «كشرقيين» مشاهدة هذا النوع من البرامج في جو عائلي، فأكثر أسئلته «الاستجوابية» تدور في محور الجنس والعلاقات الجنسية، وهو أمر محرم الخوض فيه في مجتمعاتنا، وستكون الأسئلة محرجة للمشاهدين كما هي محرجة لضيوف البرنامج وأقربائهم، وإن كنت قد لاحظت أن بعض الضيوف يتمتعون بقدر لا بأس به من «الوقاحة»، فهم يطعنون أقرباءهم، وخصوصاً الأزواج، في أدق خصوصياتهم، ويمسحون بكرامتهم الأرض مع ابتسامة باردة ولا مبالاة واضحة بمشاعرهم، تجعلك تتعاطف مع الأزواج كثيراً، لكن هذا لن يمنعك من أن تتساءل، ماذا لو انقلبت الأدوار وجلس الزوج المسكين على كرسي الاعتراف، مَن سيكون حينها أكثر بشاعة وقسوة، هو أم هي؟!

إحدى الضيفات «لورين كيلي» تحولت الى واحدة من أكثر الشخصيات المكروهة في أميركا، بعد أن «شرّحت» زوجها بدم بارد وابتسامة «مليغة» من خلال إجاباتها، وكانت الضربة القاضية حين أجابت بصراحة «تحسد عليها» أنها تتمنى لو أنها كانت قد تزوجت صديقها القديم بدل زوجها «المحترم» الجالس أمامها، والمضحك، أنها خسرت مبلغ 100 ألف دولار بسبب إجابة كاذبة لسؤال بسيط حول إن كانت ترى نفسها إنسانة طيبة، حيث أجابت بنعم، بينما اعتبر جهاز كشف الكذب إجابتها خاطئة، وغادرت البرنامج بلا حمص، وبلا زوج أيضاً!

أكثر ما يثير الإعجاب و«التعجب» في هذا البرنامج، هو الهدوء وضبط النفس الذي يحاول الأزواج والزوجات أن يتصنعوه، فكلما حاول شريكهم «الضيف» أن يخرج ما بداخله من تراكمات وعقد نفسية لا تصدق، يكتفون بالقول «oh... jesus... i know it»، وأنا حقيقة أحييهم كرجل شرقي على برودة أعصابهم هذه، وإن كنت أراها في غير محلها أبداً!

آخر الأخبار تقول، إن هناك نسخة عربية من البرنامج قادمة في الطريق إلينا، شخصياً، أنصح من فكروا في هذا الأمر بعدم «التهور» والإقدام عليه، لأن جماعتنا بصراحة «ما عندهم غشمره بهالسوالف»، وسوف نرى مشاهد «تلسب بالعقل» و«ضرب بالنعل» و«لشط بالحزام» على الهواء مباشرة، مع أي اعتراف «في لحظة تجلي» بالخيانة من أحد الأزواج أو الزوجات!

لدي اقتراح جيد لهم، وهو أن تقتصر المشاركة على وزراء ومسؤولين ونواب ورجال دين وقادة أحزاب عرب سابقيين وحاليين، لكي يخرجوا لنا ما في جعبتهم من أسرار دفينة لا يعلمها إلا الله، لنعرف من خلالها كيف تنتشر الرشاوى والصفقات المشبوهة والعمولات والتلاعب والسرقات والمحسوبيات والتنفيع في كل شبر من عالمنا العربي «السعيد»، ولعلنا ندرك بعدها الأسباب الحقيقية لتخلفنا عن بقية الأمم، وإن كنت أشك أن قليلاً منهم فقط سيجتاز السؤال الأول «فالطبع سيغلب التطبع دائما»، وسيقولون غير ما يبطنون، كعادتهم دوماً!