رغم مرارة هذه الاستجوابات وجانب الحرج السياسي الكبير لشخص سمو الرئيس يبقى الخلاف النيابي-النيابي بمنزلة الفُخَّار الذي يكسّر بعضه من خلال تصدي بعض النواب قبل الحكومة لمواجهة هذه الاستجوابات وإضعافها سياسياً عبر الاصطفاف المبكر بالتصريح وإعلان المواقف.

Ad

يشهد الفصل التشريعي حالة غير مسبوقة من توجيه الاستجوابات إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، حيث وصل عدد هذه الاستجوابات الرسمية منها أو ما تم التهديد الحقيقي بتقديمها ستة على مدى الأشهر الثمانية الماضية، ومن المؤكد أن ترتفع هذه الحصيلة إلى أكثر من ذلك في ظل المسيرة السياسية القائمة بكل أبعادها وتركيبتها الحالية.

وبغض النظر عن البعد الدستوري في استخدام الأدوات الرقابية وتفعيل المساءلة الحكومية باعتبارها حقاً أصيلاً لأعضاء مجلس الأمة لا ينازعهم أحد في اللجوء إليها كأمانة ومسؤولية يتحملون نتائجها، ويكون الحكم عليها بعد المداولة أولاً من قبل هيئة المجلس ومن ثم الرأي العام الكويتي، يبقى البعد السياسي في تحليل وتقييم ونقد مثل هذه الممارسة النيابية خاضعاً للنقاش الخاص والعام.

وعلى ضوء المعطيات المواكبة لسيل الاستجوابات الرئاسية يبدو أن درجة الخصومة السياسية لبعض أعضاء مجلس الأمة أو الكتل البرلمانية ضد الحكومة ورئيسها كمعارضة سياسية لبرنامج عملها أو خططها المعدومة أصلاً، لا تقل عن طبيعة الصراع النيابي-النيابي وحجم الخلافات بين الأعضاء أنفسهم، وفي جانب مهم فإن العديد من هذه الاستجوابات وإن قدمت لرئيس الحكومة إلا أنها موجهة لتعطيل برامج النواب المنافسين.

ومن يتتبع الاستجوابات الملوح بها أو التي تم تقديمها بالفعل يجدها نابعة من ردود أفعال متناقضة من جانب النواب إزاء بعض القرارات الحكومية التي قد يكون من شأنها خدمة أولويات أو مصالح نواب أو كتل برلمانية أخرى، فأحد هذه الاستجوابات وضع العصا في عجلة سياسة التجنيس التي انطلقت بضغوط وجهود نيابية، والآخر كان عبارة عن تهويشه لإلغاء صفقة الـ«داو كيميكال» المثيرة للجدل، وسرعان ما ووجه ذلك باستجواب مضاد لرد الاعتبار لتلك الصفقة، في حين تمت مساءلة الرئيس على قرار وزير الداخلية السماح لرجل دين بالدخول إلى البلاد لمواجهة محاكمته أمام القضاء، أما الاستجواب الأخير فجاء كردة فعل على تحويل موضوع مصروفات ديوان رئيس الوزراء للنيابة العامة، وينتظر سمو الرئيس استجواباً آخر في حالة إقرار قانون الاستقرار المالي الذي تحمس له النواب المؤيدون للحيتان!

ومثل هذه التناقضات النيابية تعكس بدورها التفاوت الكبير في الرأي العام الكويتي وأولوياته بسبب الاختلالات الطبقية والفكرية والمناطقية التي جذرها وقننها النظام الانتخابي وتوزيعه الجغرافي، فمن الأسباب التي تؤدي دائماً إلى نجاح صدى الاستجوابات خصوصا ضد رئيس الحكومة، وكما تعكس الحالات الست المشار إليها، قبولها الشعبي ولو جزئياً أو مناطقياً بحسب موضوع المساءلة أو النواب المتصدين لها من جانب، وكثرة المثالب والأخطاء وصور الفساد بأنواعه في الجهاز الحكومي وهشاشة الحكومة نفسها من جانب آخر.

ورغم مرارة هذه الاستجوابات وجانب الحرج السياسي الكبير لشخص سمو الرئيس يبقى الخلاف النيابي-النيابي بمنزلة الفُخَّار الذي يكسّر بعضه من خلال تصدي بعض النواب قبل الحكومة لمواجهة هذه الاستجوابات وإضعافها سياسياً عبر الاصطفاف المبكر بالتصريح وإعلان المواقف، أما الثقل العددي للحكومة في مجلس الأمة فهو الكفيل بوأدها، إما بالإحالة إلى المحكمة الدستورية أو إلى اللجنة التشريعية لمزيد من الدراسة وإما تأجيلها لأجل غير مسمى أو تحويلها إلى جلسات سرية.

ولذلك فإن مثل هذه الاستجوابات وإن وصل عددها إلى «الدرزن» لا يمكن أن تكون ناجحة في ظل انعدام جبهة معارضة سياسية واضحة ومنسجمة وقوية ومسلحة ببرنامج متكامل يسهل تسويقه للرأي العام، ويرقى إلى طموحه وتطلعاته في مقابل الطرح الحكومي، وعندها قد لا تحتاج هذه المعارضة إلى استجواب لرئيس الحكومة لأنها سوف تفرض احترامها وثقلها المسنود شعبياً، ولا تتحول الاستجوابات إلى مجرد مصدر للإزعاج السياسي، وبمجرد الانتهاء من أحدها تبدأ فصول حلقة جديدة منها!