«ما يحدث في الكويت ليس فتنة فقط، بل بوادر حرب أهلية من دون جروح بدنية حتى الآن، بل تجريح فكري ومدني وعصيان على القانون»... هذا هو تشخيص الكاتب السياسي المخضرم والباحث الأكاديمي المعتبر د. ناجي سعود الزيد في مقالته السبت الماضي للأوضاع السياسية والاجتماعية في الكويت، وهو تشخيص جريء وفيه مصداقية الباحث ذي النظرة الفاحصة لطبيعة الأشياء، وهي رؤية تدق ناقوس الخطر بشدة لمن يريد أن ينقذ الكويت مما قد تواجهه.

Ad

بعد أن قرأت مقالة د. الزيد تلك تابعت إعادة لبرنامج «المنصة» الذي يقدمه الإعلامي سعود الورع، ويبث فضائيا، وكان يستضيف فيه مرشح الدائرة الرابعة محمد منور المطيري، ومناظره مرشح الدائرة الثالثة عبدالله معيوف، وكانت محاور النقاش معروفة وتتضمن كالمعتاد (الانتخابات الفرعية، الاعتقالات، الإزالات)، إذ ظل المرشح منور متمسكاً بموقفه بأن الانتخابات الفرعية هي ممارسة ديمقراطية تشابه ما يجري في التجمعات والتنظيمات السياسية، ولكن لا المحاور ولا الضيف الآخر وجها إلى منور سؤالا مهما ومفصليا حول إمكانية انضمام أي مواطن من خارج القبيلة إليها؟ وهل يوجد في العالم تنظيم سياسي مقفل عرقيا؟ وإن وجد فإن التجارب تعلمنا أنها تنتهي كلها– وللمرة الألف أقولها- إلى كوارث وطنية.

ولكن أخطر ما قيل في الحلقة ما ذكره المرشح منور عندما برر ما تفعله القبيلة بأنه بسبب وجود تمييز عرقي أو مناطقي في الكويت بسبب التفرقة بين أبناء الحاضرة والبادية في السكن والعلاج والعمل... كلام منور دلل عليه بعدم السماح لأبناء الجهراء والفروانية بالعلاج في مستشفى الأميري!! ورداءة الخدمات في محافظتي الجهراء والفروانية، وعدم تنظيم وتجميل الضواحي السكنية فيهما، بالإضافة إلى ضعف نسبة شغل أبناء المناطق الخارجية للوظائف العامة والمناصب العليا في الدولة.

أعلم أن كلام منور، القاضي السابق الذي كان يجلس على قوس المحكمة ويفصل في قضايا الناس جميعاً دون تمييز، يحمل نفَسَا انتخابيا لدغدغة مشاعر أبناء دائرته وقبيلته تحديدا، ولكنه يحمل أيضا الكثير من المغالطات، وسيترك أثرا لدى قطاع واسع يؤجج المشاعر سلبيا ويشرخ العلاقات بين شرائح المجتمع المختلفة، ولن ينتهي هذا الأثر مع نهاية الموسم الانتخابي الحالي، والمغالطات كثيرة في ادعائه بالتمييز ومبرراته، منها أن هناك في الدائرة الرابعة أكثر من 40 ألف مواطن من غير أبناء القبائل وتحديداً من الحضر الذين يستخدمون المرافق الصحية نفسها من الفروانية وحتى الجهراء بما فيهما مستشفيا الجهراء والفروانية، فكيف يتم التمييز ضدهم وهم أبناء الحاضرة، علما أن تردي الخدمات الصحية هي ظاهرة تشمل كل البلد؟ وعلى الأخ منور أن يزور مستشفى مبارك في قلب المنطقة الحضرية ليرى إن كان هناك فرق جوهري بينه وبين مستشفى الجهراء في ما يتعلق بالسعة السريرية وغرف العناية المركزة.

أما بالنسبة للأحياء السكنية فعليه أن يجري مقارنة بسيطة بين تنظيم وسعة شوارع منطقة العارضية (محافظة الفروانية) ومنطقة قرطبة على الدائري الرابع على سبيل المثال، ليكتشف لمصلحة أي منهما سيكون الفرق، كما أود أن أذكره بموقف ابن عمه النائب السابق حسين مزيد الرافض لقرارات بلدية الكويت بتنظيم منطقة صباح الناصر، وإزالة المحال المخالفة (بنشرجيه وميكانيكية) لتحويلها إلى منطقة سكنية نموذجية، وعليه كذلك أن يعلم أن آخر ناد رياضي أنشئ في منطقة العاصمة كان في سبعينيات القرن الماضي. أما بالنسبة للوظائف العامة فإن الجهاز الإداري للدولة أصبح واضح المعالم ومن يشكل الأغلبية فيه، وزيارة قصيرة إلى إدارات المرور أو الجوازات والجنسية أو بلدية الكويت في محافظات الدولة الست، وحتى مجمع الوزارات وجامعة الكويت كعينات مختلفة، تمكن أي شخص أن يلحظ مدى الحضور الكبير واللافت لأبناء القبائل في إدارة شؤون الدولة والمساهمة الفاعلة لهم في وطنهم.

ما قاله منور أصبح أسطوانة تبرير مشروخة، ولكنها خطيرة الفحوى والتأثير على بلد صغير مثل الكويت، وإذا أراد منور ومن ينتهج نهجه بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، الحقائق فإن ما دفع القبيلة وعمل بجد لتحويلها إلى تجمع عرقي سياسي هما طرفان: الأول من كان ومازال يحارب الدستور والديمقراطية لاستخدامها (القبيلة) كرأس حربة ضد القوى التاريخية الوطنية، والطرف الثاني هو القوى الأصولية الدينية التي كانت تريد تصفية وتحييد التيار المدني المنفتح الذي بنى نهضة الكويت الحديثه ليحل محله، ونجح بشكل كبير في ذلك، وأود أن يطلع جميع من يستخدم هذه الأسطوانة، على ما كتبه أول سفير للمملكة السعودية لدى الكويت في بداية الستينيات جميل الحجيلان في خواطره ومذكراته المنشورة عن الكويت في بداياتها وما آلت إليه حاليا.

ومع شديد أسفي وحزني فإن ما توصل إليه زميلنا د. ناجي من تشخيص لأحوال البلد هو الصحيح، وهو الأشجع طرحا، ولكن أنا مؤمن بأنه لم يفت الوقت بعد لكي نوقف انزلاقنا جميعاً إلى مواجهة فعلية.

فأسألكم بالله ونفسي وجماعتي أولاً أن نعود إلى الكويت وطناً، ونعمل مخلصين لنذوب فيه جميعا حضراً وبدواً شيعةً وسنةً يجمعنا ثراها ويظلنا دستورها وقوانينها دون تمييز أو تفرقة... وذلك قبل أن يفوت الأوان ونندم على ما كان.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء