أهي كارثة عظمى أن تمتلك إيران أسلحة نووية؟ أطرح عليكم هذا السؤال بحكم عادتي كرجل مخالف للإجماع، وذلك لأنني أعتقد أن الناس كلهم تقريباً سوف يردون على سؤالي هذا بالإيجاب، وسوف يزعمون أنها كارثة لابد أن تُـمنَع بأي ثمن. ولكن أهذه هي الحقيقة بالفعل؟

Ad

في أبريل الماضي قال جون بولتون، سفير الولايات المتحدة السابق إلى الأمم المتحدة: «إذا كان الاختيار بين السماح لإيران بالاستمرار نحو إنتاج القنبلة النووية أو استخدام القوة، فأعتقد أننا بهذا نكون قد بلغنا نقطة شبيهة بالنقطة التي بلغتها أوروبا حين سار هتلر بقواته إلى راينلاند في شهر مارس من عام 1936». كما ذهب بوش أيضاً إلى تشبيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالطاغية هتلر.

بيد أن هؤلاء، الذين يعتبرون أنفسهم رجال دولة، لم يفكروا قط في ما كان يمكن أن يحدث لو كانت ألمانيا وبريطانيا تمتلكان أسلحة نووية عام 1939. هل كان هتلر، رغم كل شرِّه، ليقدِم على خوض الحرب، وهو يدرك أنه يواجه تهديداً أكيداً بالدمار الشامل؟ هل نسينا تمام النسيان نظرية الردع النووي؟

لا شك أن العالم سوف يكون أكثر شعوراً بالأمان لو لم تكن لدى إيران أسلحة نووية، ليس لأنها دولة «مارقة»، بل لأن أي انتشار للأسلحة النووية من المرجح أن يجعل العالم مكاناً أشد خطورة. ولهذا فقط فإن الأمر يستحق بذل كل جهد ممكن لإقناع إيران بالعدول عن اكتساب صفة «القوة النووية». ولنفترض رغم ذلك أنه بات من الواضح أن إيران تتظاهر بالتعاون مع الغرب لشراء الوقت اللازم لتصنيع القنبلة وإنتاج نظام صواريخ قادر على حملها إلى إسرائيل. فهل يبرر ذلك توجيه ضربة عسكرية وقائية إلى إيران، كما تطالب دوائر معينة في إسرائيل والولايات المتحدة؟ إن التدخل العسكري في إيران قد ينتهي إلى نتيجتين. فقد تستكين إيران وتسالِم كما فعلت ليبيا بعد أن قصفتها الولايات المتحدة، أو قد تتحول إلى عراقٍ ثانٍ. ويؤكد لي حدسي أن ذلك من شأنه أن يطلق العنان لسلسلة من الأحداث الجامحة، ومن شأنه أن يشعل النار في جزء من العالم قابل للاشتعال، بل هو ملتهب بالفعل، فضلاً عن المجازفة باحتمال انهيار الاقتصاد العالمي إذا ما أغلِق مضيق هرمز الذي يمر عبره من خُمس إلى ثُلث نفط العالم. ومن هذا المنظور، فإذا قررت أميركا استخدام القوة لمنع إيران من التحول إلى دولة مالكة للسلاح النووي فلسوف يكون لزاماً عليها أن تؤسس إمبراطورية شبه دائمة في الشرق الأوسط.

من أجل تجنب هذا المنطق الاستعماري بالتحديد سعى أميركيون عقلاء مثل هنري كسينجر وجورج شولتز إلى إحياء حلم العالم الخالي من السلاح النووي. ومنذ ذُكِر هذا الحلم لأول مرة في خطة باروخ في عام 1945، ظهرت منه نسخ عديدة مع تزايد عدد الدول التي أصبحت تمتلك أسلحة نووية. وتتلخص الفكرة الأساسية في مبادرة كسينجر لتخفيض مخزون الولايات المتحدة وروسيا من الأسلحة النووية بصورة جذرية، على أن يتم دعم تلك التخفيضات باتخاذ ترتيبات أمنية محَـسَّنة في التعامل مع المواد الانشطارية، واستحداث نظام تفتيش أكثر قدرة على فرض نفسه، وتقديم يد المساعدة للبرامج النووية المدنية.

لا شك أن وجود نظام أفضل للتحكم في الأسلحة من شأنه أن يزيد من صعوبة مهمة الدول غير النووية في اكتساب القدرة النووية؛ ولكن من الصعب أن ندرك لماذا يتصور بعضهم أن تخفيض الأعداد الهائلة من الرؤوس النووية الأميركية والروسية وحده قد يكون كافياً لحث الدول الطامحة إلى امتلاك السلاح النووي على التخلي عن طموحاتها. فحتى لو تيسر الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على تخفيض مخزونيهما من الرؤوس النووية من ستة آلاف لدى كل منهما إلى ألف فقط، فما الذي يجعلنا نتصور أن هذا من شأنه أن يمنع إيران من الرغبة في إنتاج خمسين إلى مئة رأس نووي ونظام صواريخ قصير المدى لحمل تلك الرؤوس إذا ما ارتأت أن ذلك قد يحقق لها مصلحتها الوطنية؟

ومكمن الخطورة هنا يتلخص في إفلات زمام السيطرة على الانتشار النووي إذا ما سُـمِح لإيران بالحصول على قنبلتها. ولكن منذ العمل بمعاهدة منع الانتشار النووي عام 1970 لم يظهر إلى الوجود سوى ثلاث دول نووية جديدة؛ الهند، وباكستان، وإسرائيل. ويرجع هذا إلى سببين: الأول أن نظام السيطرة الذي أسسته معاهدة منع الانتشار النووي جعل من الصعب على الدول غير النووية أن تكتسب القدرة على إنتاج الأسلحة النووية. والثاني أن أغلب الدول غير النووية كان راضياً بالدرجة الكافية التي تجعله يعيش تحت المظلة الأمنية التي توفرها ازدواجية تركيز القوى النووية العظمى. نظراً إلى العقبات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية الهائلة التي تحول دون امتلاك الأسلحة النووية، فلابد أن تكون لدى أي دولة أسباب محددة للغاية تجعلها راغبة في اكتساب القدرة النووية، كالحاجة إلى توفير الأمن على سبيل المثال ضد تهديد إقليمي أو الاعتقاد بأن إحدى القوى العظمى تهدد الاستقلال السياسي للدولة. وهذا يعني أن بعض الحواجز الضخمة التي تمنع الانتشار النووي موجودة بالفعل بصورة مستقلة عن معاهدة منع الانتشار النووي. وليس هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن تلك الحواجز سوف تسقط إذا ما تمكنت إيران من إنتاج قنبلتها النووية. يبدو أن الخوف من الولايات المتحدة، لا من إسرائيل، كان السبب في الطموح النووي الإيراني. ولهذا السبب فإن الفكرة الجذابة التي تتلخص في إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، والتي تتخلى إيران بموجبها عن السعي وراء إنتاج الأسلحة النووية في مقابل تخلي إسرائيل عن أسلحتها النووية، تبدو غير واقعية. فالولايات المتحدة لا إسرائيل هي التي يرغب المتشددون الإيرانيون في ردعها، باستخدام إسرائيل كرهينة. وهم ينظرون إلى امتلاك القدرة النووية باعتباره وسيلة لتقييد النفوذ العسكري والهيمنة السياسية الجغرافية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهم يعتمدون على إذعان الولايات المتحدة في النهاية، كما فعلت في حالة الهند. ولكن إذا ما سُـمِح لإيران بالتحول إلى دولة تمتلك السلاح النووي، فلابد أن يكون ذلك بالاتفاق مع القوى النووية «القانونية» الخمس (الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين) وأن يتم من خلال التوسعة الرسمية للنادي النووي، بحيث يضم الهند وباكستان وإسرائيل. وقد تكون هذه هي الوسيلة الأمثل لإلزام إيران بقواعد سلوكية مقبولة. أو على أقل تقدير، يتعين علينا أن ندرك تمام الإدراك أن التدخل العسكري لابد أن يشكل ثالث أفضل خيار (وهو أسوأ الخيارات جميعاً). وقد نُـساق إلى ذلك في حالة فشل الخيارين الأولين، ولكن من الخطأ الفادح أن نفكر في هذا الخيار الآن.

* روبرت سكيدلسكي، عضو مجلس اللوردات البريطاني، وأستاذ فخري لمادة الاقتصاد السياسي بجامعة وارويك

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»