قضيت الايام الاخيرة في الرياض مشاركا في مؤتمر عن العلاقات الخليجية-الاميركية مع قدوم الرئيس الجديد، ومع أن مأساة غزة ألقت بظلالها على مناقشات المؤتمر خصوصاً من خلال الكلمة التي ألقاها الامير تركي الفيصل، فإن المؤتمر لم يقتصر على ذلك، فقد نوقشت قضايا مهمة كالنفط والاقتصاد والتعليم والمنظومة الامنية الشاملة.

Ad

كان هناك تباين ملحوظ في وجهات النظر، وإن كان الطرف الاميركي اكثر صراحة في نقد ذاته، مع استثناءات بسيطة بالطبع ممن مازالوا يحملون ذهنية «المحافظين الجدد»، والذين مازالوا مستمرين على نفس الوتيرة المتهورة، مع أن «التلاوم» كان هو السمة السائدة، والتمني كان اكثر من الواقعية، لكن لا يجب إغفال طرح أكثر من مشروع مهم، خصوصاً المشروع الأمني الاقليمي لأمن الخليج الذي عرضه مركز الخليج للابحاث، بمعادلة 6 زائد 3، والذي قد يكون مدخلا واقعيا لتجنيب المنطقة مزيدا من الحروب، فهي على اي حال اكثر منطقة في العالم بمعدل الحروب، والدمار، والتي لا يمكن الحديث عن تنمية او استقرار من دون ايقافها.

بالتأكيد المشروع بحاجة الى المزيد من الدراسة والتطوير، لكنه كان احدى الثمرات المهمة لهذا اللقاء.

كانت المشاركة الاميركية متميزة وكبيرة كما كانت صريحة جدا، كذلك كانت المشاركة الخليجية لاسيما السعودية متميزة، ويُحسب ذلك بالتأكيد للتنظيم الجيد من الجهتين المنظمتين، وهما معهد الدراسات الدبلوماسية التابع للخارجية السعودية ومركز الخليج للابحاث بدبي ورئيسه الصديق عبدالعزيز بن صقر.

وبين ثنايا المؤتمر وخارجه، كان يلاحظ أن هناك جملة من التحولات السياسية تمر بها السعودية تتمثل في ارتفاع سقف النقاش، وتحركات على مستوى المجتمع المدني، ولاشك أن هذه التحولات قد بدأت منذ عدة سنوات، ويبدو انها تعاني تعثّرا هنا وكبوة هناك، لكن الدلالات تشير إلى أن هناك حراكا سياسيا ومجتمعيا قد بدأ، وقد كانت لي لقاءات مفيدة مع العديد من فعاليات سعودية واعدة تدفع باتجاه مزيد من الخطوات الاصلاحية الملحوظة على الارض، وهو موضوع سنعود اليه لاحقا.

أما ما كان مؤسفا هو السؤال التقليدي الذي كان يواجهني مع الاصدقاء من خليجيين او غيرهم، كان السؤال مكررا وإن كان بصياغات مختلفة وهو «ماذا يحدث في الكويت؟»، السؤال لم يكن استفهاميا بقدر ما كان استنكاريا، وأغلب السائلين، كان يطرح سؤاله بصيغة الاسف على طريقة «حسافة عليك يا كويت»، حتى ان احد الناشطين السعوديين، الاصلاحيين، اوضح لي أن الشد والجذب وتعطيل الدولة تمثل ضررا كبيرا بالنسبة الى اي تحرك اصلاحي في الخليج، لانهم يشيرون دوما الى ان الحالة السياسية في الكويت ليست نموذجا يُحتذى به في مسار الاصلاح الديمقراطي.

ولعل الشرح الذي اقوم به لتوضيح الصورة يساعد على تخفيف حدة الموقف، إذ إن التداعيات السياسية في الكويت متشعبة، وتتحمل مسؤوليتها الحكومة بشكل أساسي كما يتحمل مسؤوليتها البرلمان، لكنني لا أشعر بأن الاجابات كانت مقنعة، إذ إن السائلين كانوا حريصين على نجاح المسيرة الديمقراطية الكويتية، بغض النظر عن شرح مبررات الترهل والتشوهات التي لا يريد احد ان يتحملها، وهكذا نعيد السؤال مرة أخرى «ماذا يحدث في الكويت؟»، لعل وعسى.

طريقة مُبدعة لمساندة غزة

وصلتني عبر الهاتف النقال من الاخ سعد العدواني دعوة مُبدعة لمساندة أهالي غزة، وهي عبارة عن اتصال هاتفي عشوائي تعبر فيه عن تضامنك مع المأساة الانسانية، وحرب الابادة التي يتعرضون لها، حيث بالامكان الاتصال على مفتاح غزة وهو 009708282 ثم تختار اربعة ارقام عشوائية وتتحدث مع من يجيب وتبلغه بتضامنك مع معاناتهم، لقد اكدت تجارب المحاصرين عبر التاريخ ان كلمة تضامن معهم، قد تعطيهم دعما لا حدّ له، بالطبع لا حاجة الى ان تكون حمساويا او فتحاويا، فكل ما هو مطلوب ان تكون إنسانا فقط لا غير. إنها طريقة مبدعة تنمّ عن رقة وانسانية وحس مرهف، وفوق هذا وذاك فهي قابلة للتنفيذ، كما انها دعوة لشركات الهواتف النقالة لكي تفتح مثلا يوما للاتصال المجاني بغزة للتضامن معها، وقد جربت الاتصال بأربعة ارقام عشوائية ولم يُجِب الرقمان الاولان، لكن في الرقم الثالث اجابت سيدة والرقم الرابع اجابني رجل، وحين ابلغتهما بهدف المكالمة، كان لها تأثير ابعد من المتوقع... شكرا سعد وشكرا لمن فكر بهذه الفكرة.