تصادف غدا الذكرى السادسة والأربعون للدستور الذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر عام 1962، الذي أتى استحقاقا وطنيا ضمن الظروف الموضوعية والذاتية في ذلك الوقت ليمهد الطريق للمراحل الأولى لتشكل الدولة الكويتية الحديثة، حيث لم يتجاوز أعضاء المجلس التأسيسي الواقع السياسي والاجتماعي في ذلك الوقت، ولم يقوموا بعملية حرق المراحل. لذا فإن المادة 174 تنص على ألا يتم تعديل الدستور إلا بعد مضي خمس سنوات من العمل به، فيما تقرر المادة 175 بألا يكون التعديل بعد مضي هذه المدة إلا «بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة». من هنا يتضح أن واضعي الدستور كانوا يدركون أن دستور 62 لا يمثل سوى الحد الأدنى أو المرحلة الأولى فقط لبناء الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة على أن تستكمل بقية المراحل بعد مضي خمس سنوات حسب الشروط التي بينها الدستور. ولكن وبكل أسف فإننا لم نستكمل بقية المراحل لبناء الدولة الدستورية الحديثة، بل على العكس فقد جرت ولا تزال محاولات للانقلاب على الدستور سواء بشكلها السافر كما في العامين 1976 و1986 أو بشكلها الناعم الهادف لتفريغ الدستور من محتواه والإبقاء عليه كشكل فقط. على أن هنالك من يدعو، ولو بحسن نية أحيانا، إلى تعديل الدستور تحت حجة أنه ليس كتابا مقدسا، وهو بحاجة دائمة للتطوير كما تنص مواده. وهي حجة سليمة في ظاهرها لكن في باطنها العذاب، فالقوى التي تعتبر الدستور غلطة تاريخية يجب أن تصحح من خلال الانقلاب على النظام الديمقراطي لا يمكن الوثوق بسلامة نيتها في تعديل الدستور كما ينص «بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة»، وقد تستخدم هذه الحجة للانقلاب على الدستور خصوصا في ظل موازين القوى السياسية الحالية التي تكونت بعد عمليات العبث في النظام الانتخابي، وبعد الاصطفاف الجديد للقوى والتحالفات السياسية، التي تكونت بعد الانقلاب الأول على الدستور في العام 1976، والتي مهدت بدورها الطريق لوصول قوى سياسية دينية إلى سدة البرلمان، تلك القوى التي لا تؤمن بالأساس في الدستور والديمقراطية كنظام للحكم. وها نحن نشاهد كيف أنها تعمل من دون كلل لتقويض البناء الديمقراطي وتفريغ الدستور من محتواه، ومن «تقرصه الحية يخاف من الحبل» كما يقول مثلنا الشعبي. أما لماذا ندافع عن دستور 1962؟ فذلك لأن الدستور وضع الأسس الرئيسة للدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تضمن لنا حقوقنا كمواطنين دستوريين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات، ومن ضمن هذه الحقوق عملية مشاركتنا في اتخاذ القرار المتعلق بمستقبل وطننا ومصير أجيالنا القادمة. لنقارن وضعنا بوضع جيراننا في المحيط الإقليمي والعربي، ثم لنتصور، مجرد تصور، ماذا سيكون وضعنا الآن لو لم يكن لدينا دستور؟

Ad

هل كان باستطاعتنا مثلا، لولا الدستور، عقد مؤتمر جدة الذي أتى كرد حاسم وفوري على دعوة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الشهيرة بأن يترك للشعب الكويتي أن يقرر مصيره بنفسه؟ أو هل كان بمقدورنا، لولا الدستور، أن نتفاخر أمام العالم أن الكويت استطاعت أن تحل أزمة الحكم التي حصلت بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله من خلال الأطر الدستورية التي سمحت بالانتقال الديمقراطي السلمي للحكم؟ هل لنا، لولا الدستور، أن نبدي آراءنا بكل حرية،أو هل باستطاعتنا الحديث في المحافل الدولية عن حرية صحافتنا «أثناء الانقلاب الثاني على الدستور عينت الحكومة مراقبين صحافيين داخل كل صحيفة، يقومون بإجازة أي مقال أو حتى خبر صحفي قبل عملية النشر»؟

هل لنا أن نكتشف عمليات الفساد والسرقات الكبرى التي تطول المال العام ويحال مرتكبوها إلى النيابة العامة لولا الدستور؟ هل ستوجد لدينا محكمة للوزراء؟ وهل من الممكن أن يقدم استجواب لرئيس مجلس الوزراء أو لأحد الوزراء من الأسرة الحاكمة؟ هل سنضمن، لولا الدستور، عدم التدخل في السلطة القضائية التي نفتخر الآن بنزاهتها؟

ثم هل سيكون لدينا، من دون وجود الدستور، محكمة دستورية تحكم مثلا بعدم دستورية قانون التجمعات الذي سبق أن أقرته الحكومة؟ وهل سيوجد لدينا محكمة إدراية باستطاعتها إبطال القرارات الإدارية الحكومية التي تتعارض مع القانون؟

صحيح أن الدستور يمثل الحد الأدنى كما بين، بحق، واضعوه، وأنه رغم ذلك لم يطبق كاملا حتى الآن، بل إنه يتعرض للانتهاك المستمر، ولكن «إذا سلم العود الحال يعود» كما يقول المثل الشعبي.