لماذا لا يقف الرئيس على المنصة ويخلصنا؟!
إن السر في رفض «الحكم» القاطع لصعود الرئيس لمنصة الاستجواب البرلماني، بالرغم من كونه حقا دستوريا، يكمن في رمزية الأمر ودلالاته، وليس في الممارسة بحد ذاتها.غريب جدا تكرار الناس لهذه المقولة، خصوصا أولئك الذين نحسبهم على الحنكة السياسية: لماذا لا يقف رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد على منصة الاستجواب، فينهي هذا التأزيم المتكرر من خلال تلويح النواب والقوى السياسية المختلفة بورقة استجواب الرئيس؟!
يا سادتي، كلنا نعرف بأن صعود الوزراء إلى منصة الاستجواب لا يعني شيئاً، خصوصا بعدما تم تهميش هذه الأداة السياسية وتقزيم قيمتها عبر ممارسات النواب أنفسهم.كم رأينا من وزير يصعد إلى المنصة، وينزل عنها رافعا رأسه، وكم رأينا من وزير يطأطئ رأسه قبل أن يصعدها، كم من وزير جرى استجوابه ولم تطرح به الثقة وكم من وزير علمنا بأن الثقة عنه قد طرحت من قبل أن يعتلي المنصة لأن الحكومة قد تخلت عنه.إن الحكومة ليست بعاجزة عن حماية وزرائها عندما تريد ذلك، فما بالكم عندما يكون الحديث عن الرئيس، إنها حينئذ أقدر على تسخير كل الطاقات لحمايته، مهما تكلف الأمر! كما أن الشيخ ناصر المحمد بالذات لا يهمه أن يتهمه المستجوبون بأي شيء، ولا يكترث بمحاور الاستجواب كائنا ما كانت، ولا يضره أن تخصص جلسة برلمانية لتوجيه الاتهامات له على لسان هذا النائب أو ذاك، وذلك لسبب بسيط، وهو أن كل هذا قد صار مألوفا عنده، فقد حصل مرات ومرات من خلال جلسات البرلمان المعتادة والندوات السياسية والتصريحات الصحفية وكتابات الكتاب، والتي لم تترك اتهاما أو نقدا، موضوعيا كان أو غير موضوعي، لرئيس الحكومة إلا قامت بتوجيهه، وبالتالي فلن تأتي جلسة الاستجواب بجديد، ولن تصل إلى أي نتيجة لا تريدها الحكومة، وسيبقى طرح الثقة بالرئيس رابع المستحيلات! حسنا، فما سر رفض صعود الرئيس إلى المنصة إذن؟!إن السر في رفض «الحكم» القاطع لصعود الرئيس لمنصة الاستجواب البرلماني، بالرغم من كونه حقا دستوريا، يكمن في رمزية الأمر ودلالاته، وليس في الممارسة بحد ذاتها. ويدرك سياسيونا العقلانيون أن واقعنا السياسي فيه الكثير من المسكوت عنه، والأمور التي يغض عنها النظر، بالرغم من دستورية وشرعية السؤال عنها، وقد سكت الجميع عنها من باب حكمة التقدير لحقيقة نظامنا السياسي «شبه» الديمقراطي، ومن باب عدم تحميله أكثر مما يحتمل.إن صعود الرئيس إلى منصة الاستجواب، سيعني أن «مهابة» هذا المنصب التي كانت مستمرة عبر سنوات طويلة قد تلاشت، وأن مقام وموقع وحصانة المنصب وصاحبه، وإن كانت جميعها غير مكتوبة، ضد التعرض للمساءلة والوقوع تحت سياط الاستجواب، قد صارت من إرث الماضي، وغدا بذلك كأي حقيبة أخرى. إن حصول هذا الأمر، وأقولها بكل وضوح، هو إيذان بعهد جديد، وهو أن تصبح الحكومة حكومة شعبية، الكل فيها واقع تحت الرقابة والمحاسبة وليس بمعزل عن التجريح.كنت ومازلت وسأبقى من الحالمين بتحولنا إلى نظام الحكومة الشعبية المنتخبة، والانتخابات القائمة على النظام الحزبي الوطني، ولكنني اليوم وبعد تجربة، قد تكون قصيرة بالمقارنة مع غيري، إلا أنها كافية بالنسبة لي، أقول بأن هذا التحول لابد أن يكون تحولاً تدريجياً محسوباً ونابعاً من إرادة صادقة من جميع الأطراف، لذلك فلم أكن لألوم «الحكم» لممانعته صعود رئيس الحكومة إلى منصة الاستجواب، والقفز بالكويت نحو ذلك المشهد غير المألوف الذي ستتسارع خلفه حتما مشاهد أخرى، أعنف وأشد وأبعد عن التصور والتخيل، دون أي جاهزية أو استعداد، خصوصا والواقع هو فوضى سياسية كبرى وتغليب للمصالح الفئوية على المصلحة العامة.